جاري التحميل

إبراهيم المازني

الأعلام

إبراهيم المازني([1])
(1890 ـ 1949م)

مولده ونشأته: هو ابن محمد بن عبد القادر المازني، ولد سنة 1308ﻫ ـ 19 آب سنة 1890م وقضى أبوه وهو بعد طفل في التاسعة من عمره، وأوحى إليه اليتم ضرورة الاعتماد على النفس والكدح في سبيل العيش، تخرج المازني في مدرسة المعلمين العليا، واشتغل بالتدريس حيناً في مدارس الحكومة، ثم تمرد على تسلط المستعمرين وأذنابهم في ذلك الحين، فاستقال واشتغل بالتدريس أيضاً في بعض المدارس الأهلية.

في ميدان الصحافة: تفرغ للكتابة والصحافة منذ سنة 1907م، فقضى فيهما أطول مرحلة من حياته العلمية، وكان يكتب في الأدب والاجتماع والسياسة، وقد تميزت كتابته في السياسة بالكياسة والحكمة والنظرة القومية، ولم يته في مجاهل الحزبية والسياسة فعاش للأدب.

لقد هام حيناً في ميدان الشعر الشائك، ثم اهتدى إلى شخصيته وعرف طاقته، وأدرك أنه لن يكون شاعراً محلقاً، فهجر نظم القريض ومال إلى الكلام المنثور، فخلد نثره في دنيا الأدب.

أدبه: كان من أقرب الكتاب إلى النفوس، يأخذ ما دوَّنه من الواقع ويصوغه في أسلوب عربي متين، ويستمد حياته من الواقع، فكان نسيج وحده بأسلوبه الأدبي الفريد المستملح، كما كان فريداً في نظام عمله ونمط تفكيره وأسلوب كلامه، ومع هذا الطموح كان خافض الجناح لأنه قوي النفس، فما كان متبجحاً بعلمه ولا مباهياً بعلمه.

لم يقطع المازني الصلة بينه وبين الأدب القديم، ولم يتنكر للجديد، ولم يرفض الألفاظ العامية الفصيحة التي كانت أداة للتعبير عن شعوره، فكان له من ظرفه وخفة روحه أكبر عون على نجاحه في حياته الأدبية، يطرق المواضيع التي لها صلتها بالحياة اليومية ويتحاشا المواضيع التي تظهره بمظهر العلماء الكبار.

كان من النقاد الأوائل القلائل الذين بدؤوا حياتهم الأدبية بالثورة على المناهج الأدبية القديمة، فدعا إلى تجنب التقليد وتزييف الشعور، فكان الكاتب اللبق الذي لا يتعالى.

آثاره الأدبية: أصدر مؤلفات أدبية هي 1 ـ قبض الريح. 2 ـ حصاد الهشيم، وهو أشهر ما يقرأ من كتبه لما فيه من دراسات أدبية دقيقة لابن الرومي وبشار. 3 ـ صندوق الدنيا. 4 ـ إبراهيم الكاتب، وهو من كتبه الأولى التي لم تنل إعجاب عشاق أدبه، وله مذكرات (قصة حياة) عدا عما نشره من مقالات كثيرة في أشهر الجرائد والمجلات.

تزوج المازني وهو في سن العشرين، فلم تكد تبدأ حياته الزوجية حتى صارت بعد شهور إلى شر ما يمكن أن يصاب به زوجان من النفرة وقلة الاحتمال، وكاد الأمر ينتهي إلى الفرقة النهائية، وقضى في جحيم هذا الخلاف ثلاث سنوات لم ينجه من عواقبه إلا التوفيق إلى درس طبيعة المرأة وغريزتها، وعاش مع زوجته كأسعد ما يكون، ثم ماتت زوجته فحزن عليها.

لقد لقي المازني عنتاً وشقاء في بعض أيامه الأولى حتى اضطر إلى بيع مكتبته، وابتسمت له الأيام في العهد الأخير، ولكن هذا الفرج والابتسام كان افتراراً يسيراً، فقد كان يحمل عبء العيال، ويضطر إلى كثرة الكتابة ليواجه تبعاته العائلية، حتى كان يكتب بعدة صحف ومجلات في وقت واحد، ولم يبلغ في كفاحه الأدبي حد التقدير الذي يستحقه هذا الأديب العظيم الذي عزف عن المناصب الحكومية التي ارتقى إليها من دونه، فظل يكافح الحياة ويستنبط رزقه بقلمه حتى أسلم الروح.

وكان على ضآلة جسمه ووهن عظمه مهيب الجانب لذكاء قلبه ورجاحة عقله، لقد كان أدبه أداة عيشه ووسيلة رزقه، لذلك كان يكره أن يعرضه لكيد الخصومة وعنت النقد، فإذا أكره على الخصومة كان شديد المعارضة، يقرع صاحبه بالتهكم أكثر مما يقرعه بالحجة.

أما تأليف قصصه فليس له فيها طريقة خاصة، فهو حين يعزم على كتابة قصة يجلس إلى مكتبه وهو خالي الذهن إلا من عزم التأليف، فإذا كتب السطر الأول من القصة انحل أمامه كل مشكلة وأخذ يكتب كل ما يريده بسهولة، فإذا عرض له موقف يحتاج إلى الحل عرضه على وقائع الحياة وحلَّه على طريقتها، وألبسه ثوبه الفني، وهو يعتقد أنه ليس هناك قصصاً خيالية وأخرى واقعية، لأن المؤلف يستمد وحيه من وقائع الحياة، وقد يكون في الحياة ما هو أغرب مما يصوغه القصصيون، إذ إن مهمة الكاتب القصصي هي مهمة الفنان الذي يضفي على آثاره ثوباً جذاباً من الفن الجميل.

وفي عام 1945م دعته محطة الإذاعة الفلسطينية ليحل ضيفاً عليها مدة أسبوعين، وقد احتفلت بمقدمه الأندية، ولقي من الترحيب والتكريم ما يستحقه أدبه الغزير.

وفاته: وفي يوم الأربعاء العاشر من شهر تشرين الأول سنة 1949م انتقلت روحه إلى عالم الخلود.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 473 ـ 474).

الأعلام