جاري التحميل

إبراهيم المويلحي

الأعلام

إبراهيم المويلحي([1])

(1846 ـ 1906م)

مولده ونشأته: هو السيد إبراهيم بن عبد الخالق بن إبراهيم المويلحي، وأصل الأسرة من مرفأ المويلح ببلاد العرب، هبط جدهم مصر منذ عهد بعيد، وكان جده إبراهيم في أوائل أمره كاتباً لدى الخديوي محمد علي باشا الكبير، ثم ارتقى في المناصب.

ولد صاحب الترجمة في أوائل سنة 1846م في بيت وجاهة وعز، وكان والده مشهوراً بصناعة الحرير، فجمع ثروة طائلة، ونشأ إبراهيم في سعة ورغد، وهو يتهيأ للعمل في تجارة والده، كان مولعاً بالأدب والشعر من حداثته، وقد ورث ذلك عن جده، واشتغل بالأدب في كهولته، فكان من أعظم نوابغه.

ظل إبراهيم في حجر والده آمناً سعيداً حتى توفي والمترجم في العشرين من عمره، فتولى تجارة أبيه وقبض على ثروته، وجرى على خطته في العمل حيناً فازداد تقدماً، وكانت مضاربات البورصة حديثة العهد، فحدثته نفسه أن يطلب الزيادة بالمضاربة فضارب، وهو يكسب تارة فيطمع بالمزيد، ويخسر أخرى فيطلب التعويض، فما زال يتدرج في المضاربة حتى استنزفت ثروته وأثقلته الديون.

عطف الخديوي عليه: وتعهدهإسماعيل باشا خديوي مصر بالعطف والعناية، فأنعم عليه بما أغناه فوفى ديونه، وعينه عضواً في مجلس الاستئناف وهو في الثامنة والعشرين من عمره، ثم استقال منها لخلاف وقع بينه وبين رئيس المحكمة.

ثم كلف مع المرحوم السيد علي البكري لوضع اللائحة الوطنية لتأسيس مبادئ الحكومة الدستورية، ثم تولى أمانة السر في وزارة المالية.

أدبه: نمت مواهبه الأدبية بين مشاغله السياسية والإدارية، فاتفق مع عارف باشا أحد أعضاء مجلس الأحكام بمصر وصاحب المآثر الكبرى في نشر الكتب على تأسيس جمعية المعارف لنشر الكتب النافعة وتسهيل اقتنائها، وأنشأ مطبعة باسمه لطبع تلك الكتب، وهي من أقدم المطابع المصرية، ولهذه الجمعية شأن كبير في تاريخ هذه النهضة، ومن مؤلفاته (الفرج بعد الشدة)، و(ما هنالك)، وهو وصف لأسرار قصر يلدز وسياسة عبد الحميد.

ثم أصدر جريدة (نزهة الأفكار)، ثم حالت العوائق دون إصدارها بتأثير الوشايات، فأظهر الخديوي إسماعيل باشا تخوفه منها بإثارته الأفكار، فصدر الأمر بإلغائها.

كان لا يستقر على حال، والأذكياء الذين لا يثبتون في عمل إنما يكون سبب تقلبهم الرغبة في النجاح السريع، ولو ثبتوا في عمل واحد مهما يكن نوعه لكفاهم مؤونة الشكوى من معاكسات الزمان.

على أن المترجم لم يشك ضيماً، فقد كان مرعي الجانب، وما زال الخديوي إسماعيل يذكر صدق خدمته له، فلما أبعد الخديوي إلى إيطاليا استقدم المترجم إليه، فجاءه وأقام في معيته بضع سنوات.

كان أمين سره، يكتب عنه الرسائل إلى الملوك والأمراء، ولم يكن ذلك ليمنعه من العمل لنفسه، فأنشأ في أثناء إقامته بأوروبا عدة جرائد، منها (الاتحاد)،و(الأنباء)، وقد توقفت بعد فترة.

سفره إلى الأستانة: وفي سنة 1885م ذهب إلى الأستانة على إثر إنشائه تلك الجرائد، فأكرم السلطان وفادته، وعينه عضواً في مجلس المعارف، فأقام في هذا المنصب عشر سنوات، عاد بعدها إلى مصر واستأنف الاشتغال بالكتابة، وقد نضجت مواهبه الإنشائية واكتسب ملكة الصحافة لطول ممارسته إياها مع ما اختبره بنفسه في أثناء أسفاره ومخالطته كبار رجال السياسة واطلاعه على سرائر الأمور، وأنشأ جريدة (مصباح الشرق) الأسبوعية، وكان يحررها مع ولده السيد محمد، وكان يتردد في خلال ذلك إلى الأستانة ويعود منها مشمولًا بالنعم السلطانية من العطايا والرتب، وبقي عاملاً في خدمة الصحافة العربية مخلصاً للبيت الخديوي.

صفاته: كان ربع القامة، ممتلئ الجسم، حسن الملامح، حلو الحديث، لطيف النادرة، سريع الخاطر، حسن الأسلوب، نابغة في الإنشاء الصحفي، وفي الطبقة الأولى بين كتاب السياسة مع ميل إلى النقد والمداعبة، ولا يخلو نقده من لذع أو قرص، لا يراعي في ذلك صديقاً ولا قريباً، وكان نادرة في الذكاء وحدة الذهن والاقتدار على تفهم الأمور والإحاطة بخفاياها وكشف غوامضها.

وفاته: وافاه الأجل في 29 كانون الثاني سنة 1906م وهو في الستين من عمره.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 438 ـ 439).

الأعلام