إبراهيم يوسف سعد
إبراهيم يوسف سعد([1])
المتفنن الألمعي الأستاذ إبراهيم يوسف سعد
أصله ونشأته: ولد الأستاذ إبراهيم بن يوسف سعد بمحلة باب المصلى بحي الميدان بدمشق عام 1904 ميلادية، وتوفي والده وهو في الرابعة من عمره، فنشأ مع إخوته ووالدته سعيدة شامية بكنف أخواله (آل شامية)، ومن هنا تكنى باسم (الشامية) الذي أصبح معروفاً به، ولقب بأبي هاشم، وهو لا يمت بصلة القربى إلى أسرة شامية المسيحية المعروفة بدمشق.
قسا عليه الدهر فعاش يتيماً، ولما شب عزت عليه نفسه الأبية فاندفع للعمل في حقل الصناعات الحرة ليعيش من كد يمينه وعرق جبينه، فكان نحاتاً بارعاً للأحجار، ولم يدر في خلد إنسان أن هذا العامل الحر الشريف سيكون يوماً ما فناناً ألمعيًّا ينحت القلوب بروائع فنه وإبداعه فيدميها ويشجيها.
فنه: تلقى المترجم مبادئ الفن الموسيقي على الأستاذ محمد أبو عينة، وتمرن بالعزف على العـود لـدى الأستاذ عـزو نعمان حورية وغيـره، وتلقى الموشحات وأوزانها على كثير من الفنانين المصريين، واستفاد من فنون الحاج عمر البطش الحلبي رحمه الله، والأدوار والسماعيات من الأجواق التركية والمصرية، وحفظها بإتقان عظيم حتى أصبح أستاذاً قديراً عزَّ من يجاريه في هذا المضمار، فهو مطرب ذو صوت جميل، وعازف متين، عليم بالنوطة والأوزان والنغمات، أما نزعته الفنية فشرقية بحتة، وقد شهد لي المرحوم البطش بذكائه وسعة اطلاعه وقوته الفنية.
انحصرت مواهبه في الاكتساب الفني فقط، فلم يك ملحناً ولا مؤلفاً.
جهوده الفنية:لقد اشترك بتأسيس النادي الموسيقي عام 1930م، فكان رئيساً للفرع الفني في هذا النادي، كما اشترك بتأليف الرابطة الموسيقية برئاسة الأستاذ الفنان الكبير ميشيل الله ويردي مؤلف الكتاب المعروف (فلسفة الموسيقى الشرقية)، وكان يقوم بالإدارة الفنية في هذا النادي.
نزوحه عن وطنه: وشاءت الأقدار أن يغيب هذا البدر عن آفاق وطنه، فينزح في عام 1949م إلى البرازيل، وحق للبلاد السورية التي أنجبت هذا الفنان أن تعتز بنبوغه وتفخر بمواهبه.
أوصافه وأطواره: أنيس المعشر إذا صفا وراق، سليم الصدر، أبي النفس، يهوى المحافظة على كرامته، وهي سمة إلهية اتسمت بها أخلاقه، ولله في خلقه شؤون، وصفه البعض بالشذوذ والتكبر، ولعمري إن دلت قسمات وجهه على العبوس والانقباض فقد خفيت أسرارهما عن ناصيته، فإن هذه الانطباعات تعبر عن مشاعره ويأسه في بحر الحياة المصطخب، فالمترجم بلي بعدم التوفيق في مراحل حياته، ولا غرابة في ذلك، فقد نكب الدهر من سبقه من فنانين ساء طالعهم، وما فتئ يكوي بلظى ويلاته من ماثله من المعاصرين، ويطيح بآمالهم وأمانيهم تنكيلًا وحرماناً، وعند زميله الفنان ألكسي اللاذقاني وأترابه الخبر اليقين.
لقد أخطأ من وصف هذا الفنان بالتكبر والعبوس، إذ إن هنالك عوامل نفسانية تنتاب الفنانين في حالات طارئة لها علاقتها بصميم حياتهم وأمزجتهم، منها فقدان التجلي الذي له أعظم الأثر في نشوتهم، والانتقاص من كرامتهم، وعدم الإصغاء والإشادة بفنونهم، ومجابهتهم بطلبات قد يرونها معاكسة لرغائبهم، وحرمانهم نعمة الاستقرار في الحياة، كل ذلك من العوامل التي تؤثر على عواطفهم الثائرة فتصاب بالكبت والجمود، فإذا أخفوا آلامهم انعكست صورها مطبوعة في وجوههم، فيرى الناس في طباع الفنانين ما يسمونه بالشذوذ والانحراف وهم لا يدرون كنه الواقع والحقائق، ولو دروا لعطفوا وأشفقوا.
ومن الفنانين من يهوى التشجيع والإطراء بفنه، وأخال المترجم منهم، وهذا سر بسيط يتوجب على الناس أن لا يجهلوه، وأهم هذه العناصر (الكرامة)،فالفنان يعتد بكرامته ويزهو بمواهب فنونه، فهو بينما يدخل السرور إلى قلوب الناس فتراهم في حبور وفتون يكون هو في قنوط وشجون، والله أعلم بالسرائر.
وقد اجتمع المؤلف به خلال رحلته إلى البرازيل واطلع على أحواله، فقد توالت عليه مصائب الدهر، فمرضت شقيقته فصرف عليها ما جمعه في حياته ثم توفت، وأصيب بحادث اصطدام أحدث بعض التشويه في وجهه، وما انفك الدهر يمعن في صب النوائب عليه.
* * *