جاري التحميل

أحمد الإسكندري

الأعلام

أحمد الإسكندري([1])

أحمد الإسكندري بك

(1875 ـ 1938م)

نشأته: هو أحمد بن علي عمر الإسكندري صدر العلماء وعزة الأدباء في عصره، ولد في الإسكندرية في 26 شباط سنة 1875م، وتعهده أبوه بالتعليم، وبعد أن حفظ القرآن وأجاده التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية المعروف بجامع الشيخ، وأكب على التحصيل، ولكن مناهج التدريس لم تشبعه، فكان يقرأ الكتب التي تقع تحت يديه، فأولع بالأدب، وقرض الشعر يافعاً، ورغب النزوح إلى القاهرة حيث الأفق أوسع، فمانعه والده، فجمع كتبه وحزمها وخرج في غفلة من أهل الدار وليس في جيبه إلا بضع دريهمات كان قد ادخرها، وركب مركباً يسير في ترعة المحمودية حتى وصل إلى مدينة كفر الزيات، ونفذ زاده ودريهماته فحمل كتبه على ظهره ومشى على قدميه من مدينة كفر الزيات حتى وصل إلى القاهرة وهو حديث السن.

مراحل حياته: دخل الأزهر ليتلقى علوم اللغة والدين، وفي سنة 1984م التحق بمدرسة دار العلوم، وكان فارس الحلبة الذي لا يدرك في الفحوص المدرسية، فتخصه المدرسة بجوائزها، وتخرج منها سنة 1898م، واشتغل بالتدريس في المدارس الأميرية، ثم كان ناظراً لمدرسة المعلمين في الفيوم والمنصورة، فأخذ من محاسن الآداب بأوفر حظ، وهو أول من اقترح تدريس فقه اللغة، وكان غير معروف من قبل في المدارس المصرية.

وفي سنة 1907م انتقل إلى دار العلوم لتدريس مادتي الإنشاء والأدب العربي، وظل يزاول عمله زهاء سبعة وعشرين عاماً.

في الجامعة: وفي سنة 1933م اختير أستاذاً للأدب العربي بقسم اللغة العربية بكلية الآداب، وكان عضواً عاملاً في المكتب الفني في وزارة المعارف، وكانت له مشاركة تامة في وضع مناهج اللغة العربية للمدارس الابتدائية والثانوية.

في المجمع اللغوي: وعندما أنشئ المجمع اللغوي الملكي في سنة 1932م وقع عليه الاختيار ليكون أحد أعضائه، فكان المحور الذي تدور حوله المقترحات والمناقشات، وكان يحب اللغة العربية ويتعصب لها تعصباً جعله يصف كل من يتهاون في أمر من أمورها بالزندقة والإلحاد، وكان يعتبر التساهل وفتح الباب للغات الأجنبية لغزو اللغة العربية جريمة شنيعة، وجاهد جهاداً شديداً حتى جعل المجمع يوافق على عدم اللجوء إلى التعريب إلا لضرورة قصوى.

مؤلفاته: أول مؤلفاته هو 1 ـ كتاب تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي، وقد أجمع الأدباء على أنه كان المعين الذي استقى منه جميع من بحثوا في تاريخ الأدب من بعده. 2 ـ كتاب عن اللهجات العامة، 3 ـ نزهة القارئ في جزأين مطبوعين، 4 ـ وألف كتاب عامًّا في الأدب العربي في جميع عصوره، يقع في بضعة آلاف صفحة وأعد العدة لطبعه ولكن عاجلته المنية، وله مؤلفات في فقه اللغة كان يضعها لتلاميذه، واشترك مع غيره في وضع كتب مدرسية في التاريخ العام وتاريخ الأدب والنصوص الأدبية.

علمه: كان يقتني مكتبة عظيمة، ومعلوماته العامة واسعة المدى، فهو سياسي مع الساسة، وأثري مع علماء الآثار، ومصور مع علماء التصوير، واجتماعي مع رجال الاجتماع، ورياضي وطبيعي وكيمائي ومؤرخ، هذا وإن الكلمات التي وضعها في مجلة المجمع ورسالته الأخيرة التي قدمها للمؤتمر الطبي العربي ببغداد، كل هذا يشهد بأنه كان ذا نشاط جم، وعقل جبار، ومجالسه مع الأصدقاء تشهد بما كان له بينهم من جليل القدر وعظيم الأثر، وقد تبوأ مكانة بجدارة بين علماء عصره، وكان ركناً عظيماً تعتمد عليه وزارة المعارف والمجمع اللغوي والهيئات العلمية والأدبية، وكان موضع ثقة كثير من العلماء الأعلام، يراسلونه ويستفتونه في كثير من المسائل التي يشتبه عليهم الأمر فيها، أو لا يهتدون إلى مصادرها، وكان في جلسات المجمع الأصلية والفرعية إذا أشكل أمر أو أظلمت مسألة خرج هو على الأعضاء بما يزيل اللبس ويكشف الغموض والإبهام، وكانوا جميعاً يعترفون له بالسبق، ويعتبرونه جهيزة تقطع قول كل خطيب.

سفره إلى مؤتمر المستشرقين: وفي سنة 1911م سافر إلى مؤتمر المستشرقين في بلاد اليونان، وقد خطب في موضوع اللغة العربية الفصحى وقلة انتشارها بين الغالبية العظمى من أهل الممالك الإسلامية المختلفة، وقد اهتم المستشرقون بهذا البحث وناقشوه فيه، ثم انتهوا إلى قرار صريح بأن اللغة العربية الفصحى هي اللغة التي تصلح للبلاد الإسلامية العربية للتخاطب والكتابة والتأليف، وكان هذا القرار فوزاً بالغاً له سرَّ به المجمع، لأنه كان تعزيزاً لرأيه ضد رأي ارتين باشا وكيل وزارة المعارف إذ ذاك، وهو نصير اللغة العامية وإحلالها محل اللغة العربية الفصحى.

وفاته: وافتـه المنيـة فـي الساعـة الخامسة مـن مساء الثلاثاء 18 صفر سنة 1357ﻫ ـ 19 نيسان 1938م إثر مرض ألزمه الفراش أسبوعين، وهكذا قضى حلال المشكلات والمرتجى في اللغة للمستعصيات.

كان صريحاً أبيًّا، عذب الحديث، بارع الجد، حلو الفكاهة، سريع الخاطر، حاضـر النكتـة، ظريـف التفصيل والجملـة، ميالاً إلى العزلة، يقضي في بيته أياماً لا يبرحه.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 467 ـ 468).

الأعلام