جاري التحميل

أحمد الأوبري

الأعلام

أحمد الأوبري([1])

المتفنن الموهوب الغاوي المرحوم أحمد الأوبري

الفنانون في مواهبهم طبقات ودرجات، فهم بين هاوٍ ومحترف، فإن اختلفت أوضاعهم وأطوارهم في المواهب فإنها تختلف في البيئة والأخلاق، وإن المجتمع يميز من كان منهم ذا حجاب ثقيل على الناس ومن ضربت بسجاياهم الفاضلة ورقة شعورهم وعزة أنفسهم الأمثال، والفقيد الألمعي المرحوم أحمد الأوبري كان من العناصر التي يفتخر المجتمع بها، فقد سما بمناقبه الحميدة كما سمت فنونه في ميدان المواهب.

أصله ونشأته: هو المرحوم أحمد بن الحاج عزت بن عبد الرحيم الأوبري، ولد بحلب سنة 1895م من أسرة ذات وجاهة وحسب، نشأ في مهد الصيانة والكمال، فاعتنى والده بتهذيبه وتثقيفه، تلقى دروسه في مدرسة الشيباني بحلب، فكان آية بالذكاء، وظهر ميله للموسيقى منذ نعومة أظفاره، فأكب على التمرن بالعزف على الآلات الموسيقية دون معلم أو مرشد حتى أتقن العزف، ثم درس علم النوطة فأصبح ضليعاً بقواعدها، وقد عينته وزارة المعارف أستاذاً للموسيقى في مدرسة التجهيز للاستفادة من خبرته ومواهبه الفنية، ولما أحدث وجوه حماة وأعيانها مدرسة دار العلم والتربية الأهلية في حماة في العهد الفيصلي وقع اختيارهم عليه لما يتمتع به من خلق رصين وإدارة حازمة، فأصبح مديراً لها وأستاذاً للموسيقى فيها مدة ثلاث سنوات أدى خلالها خدمات جُلَّى في حقل العلم والفن، وكان ناجحاً في منهاج ثقافته بفضل خبرته ولياقته الشخصية، وشعر الفنان الشيخ أمين الكيلاني الحموي أستاذ اللغة العربية في المدرسة المذكورة أنه لابد للمترجم رحمه الله أن يعود في يوم من الأيام لبلده، فتلقى عنه قواعد الفن الموسيقي والعزف على العود حتى أصبح أستاذاً بارعاً، ولما عاد الأوبري إلى حلب أشغل مكانه في تدريس الفن الموسيقي للطلاب.

عودة المترجم إلى حلب: وعاد الفقيد إلى بلده فتوظف في بلدية حلب، وبعدها انتقل إلى مصلحة الأشغال العامة وأشغل منصب رئاسة الديوان فيها مدة تنوف على العشرين سنة كان خلالها موضع احترام الجمهور لدماثة أخلاقه ومعرفته عناصر الناس وأطوارهم.

فنه: كان الفقيد رحمه الله غاوياً يهوى الفن الموسيقي، ولم يتخذه حرفة، ولو أراد الاحتراف لبلغ مراحل التفوق في هذا الميدان على غيره، فقد كانت مواهبه لا تقف في الإبداع والابتكار عند حد، ومن ألحانه البديعة التي طارت شهرتها مقطوعة (ليلى) وغيرها مما يغنيه اليوم المطربات في دور الإذاعة العربية، وقد صاغ ألحانه الغنائية والصامتة بقوة تعبر عما تختلج روح هذا الفنان من حس مرهف ورقة ولين في نفسه النبيلة.

ومن مؤلفاته الموسيقية كتيب صغير يبحث في فصل (اسق العطاش) المؤلف من ثمانين موشحاً تختلف في أنغامها وأوزانها، وهذا الفصل اشتهر فنانو حلب خاصة بإتقان حفظه وجودة إلقائه، وللفقيد الكبير الفضل في تأسيس محطة الإذاعة الإضافية بحلب.

ومن أبرز مزاياه في مواهبه الفنية أنه التفت إلى الموسيقى يدرسها بطريقة علمية لا ارتجالية كما عرف عن بعض الفنانين المحترفين، وله أبحاث ودراسات في تطبيق الأوزان الشعرية على الأوزان الموسيقية لم تنشر بعد، والأمل أن تتيح لي الفرص بدراستها ونشرها للاستفادة منها.

أوصافه: كان رحمه الله على جانب عظيم من جمال الخلقة والخلق، طيب القلب، كريم اليد، يسدي الخير إلى الناس، كثير البر إلى ذوي رحمه، زخرت حلب وهي مهبط الفن الجميل بالكثير من الفنانين فكان بدرهم الساطع، وكانت حياته الفنية حافلة بالذكريات، فهو أحد أعضاء المؤتمر السوري الذي مثل بلاده في المؤتمر الموسيقي الفني المنعقد في مصر بتاريخ 16 آذار سنة 1932م، والذي لم تشر أبحاثه عن نتائج فنية مرضية، وقد تلقى الفن عنه ما لا يحصى عدده من الفنانين الذين ما زالوا يذكرون عهده بالخير والرحمة عليه، ومن أشهرهم الموسيقار الكبير الأستاذ ألكسي اللاذقاني، والمرحوم الشيخ أمين الكيلاني، والفنان المطرب الحاج صالح المحبك الحلبي، وغيرهم كثير.

وفاته: وفي يوم الأربعاء التاسع من شهر نيسان سنة 1952م وافته المنية، وخسرت حلب بفقده ألمع فنان بزغ نجمه في سمائها، وشيعت جنازته باحتفال يليق بمكانته الفنية والاجتماعية، ودفن بمقبرة الشيخ الثعالبي بحلب، وأعقب ولدين، الكبير هو الأستاذ (عزت) المتحلي بالفضائل والكمال، وهو اليوم من كبار موظفي وزارة الخارجية، والثاني (زهير)، ولا يختلف عن أخيه محتداً ومنبتاً.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/ 333).

الأعلام