جاري التحميل

أحمد الجندي

الأعلام

أحمد الجندي([1])

الشاعر الملهم والمتفنن المرح الأستاذ أحمد الجندي

أصله ونشأته: هو السيد أحمد بن علي بن أحمد بن محمد الجندي، من أسرة الجندي المعروفة في بلدة السلمية التي تقع إلى شمال شرق حمص، وشرق حماة، على مسافة خمسين كيلو متراً في كل منهما، ولد في سلمية سنة 1911م، كان والده قاضياً للصلح في سلمية، وقد عرف بالعدل والاستقامة والوطنية والكرم، كما عرف بحب المطالعة والقراءة، وقد انتقلت هذه المزية إلى أولاده منه، وقد توفي إلى رحمة الله سنة 1926م.

مراحل حياته: وما كاد المترجم يبلغ الخامسة حتى نفي والده إلى بلاد الأناضول في تركيا، مع من نفي من الأسر العربية العريقة في عهد السفاح جمال باشا القائد التركي خلال الحرب العالمية الأولى، وقد أقام في بلدة (بيله جيك)، وقد بقي في تركيا حتى نهاية الحرب حيث عادت عائلته لوحدها وعاد هو هرباً، وتعلم المترجم القراءة والكتابة في تركيا، وعاد إلى سلمية سنة 1918م وهو يتقن اللغتين التركيةوالعربية.

دراسته وميله للأدب: تلقى دراسته في المدرسة الابتدائية في سلمية، وكان لوالده رحمه الله صلات ود وصداقة مع زعماء البلاد لاشتهاره بميوله الوطنية، وكان المترجم يلاحظ اجتماعات والده في بيته ومطالعته كتب التاريخ والأدب منذ نعومة أظفاره، وحفظه القصائد الطوال في المدة القصيرة.

ولما شب قرأ كتب الأدب الشهيرة وأبرزها نهج البلاغة لابن أبي حديد، فحفظ أكثر الخطب والشعر الوارد فيها، ولعل لهذا الكتاب الأثر البليغ في تكوين لغته وتحسين ديباجته وأسلوبه.

الناحية الاجتماعية: وهنالك ناحية أثرت في عقلية الشاعر تأثيراً كبيراً، وهي أن المرحوم والده وأخاه السيد محمد الجندي ـ وهو ما زال حيًّا ـ قد قاما بحركة إصلاحية في بلدة السلمية، وهي حركة اجتماعية ودينية ترمي إلى نفي البدع ونبذها وغرس الوطنية في صدور العامة من الأهلين، وقد قاوم هذه الحركة المستعمر الفرنسي الغاشم، فلم يثن ذلك من عزمهما ولا حال دون بلوغهما مرادهما، وقد توفقا إلى جمع عدد كبير من الناس، وما زالت هذه الحركة سائرة إلى الآن، وقد كانت تعد لهذه الغاية اجتماعات خاصة ومؤتمرات سرية، فكان المترجم يحضر كل ذلك ويستفيد من المواعظ والإرشادات ورواية الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية الكريمة حتى حفظ الكثير منها، وكان لهذا الفضل في صقل لغته وتهذيب إنشائه.

في المدرسة الزراعية: وفي عام 1923م أنهى دروسه الابتدائية وانتقل إلى المدرسة الزراعية في بلده، وهناك بدأ يتعرف إلى أدباء العرب، فكان معجباً بالمازني والعقاد بصورة خاصة، كما كان يكره شعر العقاد كثيراً لتعديه على الصناعة وتعرضه لغير ما يعرف.

لقد كانت حياته في مدرسة الزراعة سلسلة من الكدر والانزعاج، إذ لم تكن دروسها تتصل بنفسه أو توافق مزاجه، ولما انتهى منها انتسب إلى مدرسة أهلية لدراسة اللغتين العربية والفرنسية، فأتى حمص مدينة الأدب والفن وتعرف على شعرائها وأدبائها وأهل الفن فيها من مغنين وعازفين.

صلاته مع الشعراء: وفي عام 1927م تعرف إلى صديقه الدائم وصنوه الشاعر المبدع الأستاذ رفيق الفاخوري، وما زالت صداقته له مضرب المثل حتى الآن، وظل فيها ثلاث سنوات حتى أتقن الأدب العربي وألمَّ باللغة الفرنسية، ومن ثم تقدم إلى فحص شهادة البكالوريا فنالها بعد نضال وجهاد طويلين، وانتقل من هناك إلى تجهيز دمشق فمكث فيها سنة واحدة نال شهادتها وبعدها دخل معهد الحقوق، وهناك عاوده الانزعاج الذي كان يلقاه في مدرسة الزراعة، فالدروس ثقيلة على السمع والأساتذة من النوع (الحميدي) العتيق، وقد حاول التهرب من هذا المعهد إلى معهد الطب لا حبًّا بالتشريح والميكروبات بل قرفاً من الحقوق، إلى أن اضطر إلى ترك الجامعة كلها والرجوع إلى حمص للتدريس في مدارسها الأهلية الإسلامية والأرثوذكسية، وبعدها انتقل إلى طرطوس فمكث فيها سنة ونصف يدرس اللغة العربية في اللاييك الفرنسي، وقد تعرف في تلك الجهة إلى أدبائها وشعرائها ثم نال شهادة الحقوق.

في خدمة الدولة: وانتسب بعدها إلى وزارة الداخلية فعين إلى محافظة الجزيرة، وهناك بقي سنتين ونيف، وفي هذه المنطقة الخالية الخاوية تفتقت قريحته فأكثر من نظم الشعر والكتابة، وهناك نظم ملحمة كبرى من الشعر تتعلق بتاريخ حياته وما صادفه فيها من عقبات ونكبات، ثم انتقل إلى حماة فمكث فيها (12) سنة، وحطت رحاله مؤخراً في دمشق، وما زال فيها رئيساً لديوان محافظة لواء دمشق.

شعره ونثره: هو شاعر متفنن في طبعه وروحه، له موشحات بديعة نظمها للتلحين، يهوى سماع الأصوات الحسنة فيهيم طرباً، وكفى أن يكون وجوده في المجالس الفنية ضمانة كبرى للصفاء والبهجة والتجلي، إذا دمدم بصوته الرخيم امتزج بالألحان امتزاج الماء القراح بالراح، أو الأرج بالنسيم، أما شعره فمن النوع السهل الممتع الذي يحافظ على الديباجة العربية الخالصة، فهو من خصوم التجديد الذي يؤدي إلى التهديم، ويرى أن النغمة الشعرية العربية هي الأساس في الشعر العربي، وأما المعاني والصور والألفاظ فأمور تأتي في المرحلة الثانية وإن كانت ضرورية جدًّا.

وأما نثره فنوع من الحكايات والأقاصيص التي تتخللها النكتة، فهو يميل إلى التخفيف عن القارئ بدلًا من أن يثقل كاهله، ومن شعره البديع:

أنا الذي عشت بوهمي فما

أعرف غير الوهم لي موطنا

لي من شبابي ضحكة نوَّرت

صحبي وفي قلبي يموت السنا

وسرت في دربي لم يدر بي

على شقاء العيش إلا أنا

يا شقوة الإحساس مما أرى

ويا ضلال الروح أين الهنا

يتبعني الحرمان أنى مشت

عيني وأنى أبلغ المنحنى

كأنما عمري أنشودة

أخطأ فيها اللحنَ من لحنا

أوصافه: هاشمي الطلعة، عباسي الطموح، أشقر اللون، مدور الوجه، كأنه إطار من ورد محفوف بالياسمين، وتراه في صورته كالليث المتحفز للوثوب، يشع من عينيه الزرقاوين بريق فيه سحر، وفي أهداب جفونه الطويلة فتنة بينها وبين ضياء الشمس الوهاج صراع دائم؛ إذ لا ينبغي للشمس أن تدرك القمر... ألمعي في ذكائه وفراسته، أنيس في معشره وطريف نوادره.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/ 70 ـ 71).

الأعلام