جاري التحميل

أحمد زكي باشا

الأعلام

أحمد زكي باشا([1])

(1867 ـ 1934م)

هو أحد أعلام العصر ورسول النهضة العلمية والأدبية الذي وقف طول حياته يراعه ونفسه وجهوده في سبيل إحياء قوميته العربية، ولد في 23 محرم سنة 1284ﻫ ـ 1867م، زار الأندلس والعواصم الغربية ينقب عن نوادر المخطوطات ونفائس المطبوعات ينسخها أو يصورها أو يشتريها، لا يدخر في ذلك جهداً ولا ثروة، ولابس المستشرقين دهراً مليًّا يفيدهم ويفيد منهم، حتى حذق أصول التحقيق، ومهر طرائق النثر، وأصبح لهم مرجعاً وفيهم حجة، كان متضلعاً باللغة الفرنسية، ملمًّا بالآداب الغربية.

فلما اعتزل المنصب الحكومي تسايرت قواه وهواه إلى خدمة الأمة العربية،فوفد على ملوكها، وسفر بينهم بالصدق والألفة، حتى أذهب الموجدة، ومهَّد لتوحيد الكلمة.

ثم جرَّد لاستقراء الدقائق واستجلاء الحقائق، فشغل الصحف بالمقالات والمناظرات، وعمر الأندية بالخطب والمحاضرات، وأحيا المجالس بالملح والمحاورات، وفي كل يوم يعتكف الساعات الطوال في مكتبة الجامعة يحرر مقالة أو يصحح تجربة، حتى إذا فرغ من ذلك كله رجع إلى بيته، فوجد ناديه قد حفل بزواره وسماره من رجالات العرب والمسلمين الطارئين على مصر، فينشر عليه الأنس ويفيض فيه الكرم، فكانت حضرته كحضرة الصاحب بن عباد مصدر العوارف والمعارف، ومثابة القصاد من كل قطر وطبقة.

ثم جعل في عهده الأخير همه وعزمه حبساً على إنشاء مسجد وبناء قبره، فلو لم يعجله الموت عنه لتركه قطعة خالدة من الفن العربي.

مواهبه: كان أدبياً محيطاً بكل شيء، أنيقاً في ملبسه ومأكله ومسكنه وأسلوبه ونشر مقالاته وطبع كتبه، عذب الروح حلو الفكاهة، سليم الصدر، وتفكيره استطرادي لا يعنى بالوحدة ولا يحفل كثيراً بالتناسق، أسلوبه أندلسي، يتصيد السجع، ويتلمس ألوان البديع، ومرجع ذلك إلى اعتقاده بعربيته، واعتداده بشرقيته،واعتماده في تكوين نفسه على أدب أمته.

لقد كان داره ملتقى العلماء والأدباء الباحثين من جميع أقطار الشرق، ومن المؤسف أننا نحن في الشرق لا نعترف بالفضل لذويه إلا بمقدار، حتى إذا رحلواإلى الدار الآخرة وانقطعت صلتهم المادية بالأحياء نسيناهم أو تناسيناهم، فأهمل قومه تأبينه ولم يقوموا بواجب إحياء ذكراه، وكذلك يكون حظ العلماء والأدباء ونصيبهم من الوفاء في الشرق العربي.

وقد لخص المترجم رسالته أجمل تلخيص في ثلاثة أبيات من الشعر أنشأها ثم جعلها زخرف داره وصورة شعاره ومرجع حديثه، وهي:

وقفت على إحياء قومي يراعتي

وقلبي وهل إلا اليراعة والقلب

ولي كل يوم موقف ومقالة

أنادي ليوث العرب ويحكمُ هبوا

فإما حياة تبعث الشرق ناهضاً

وإما فناء فهو ما يرقب الغرب

وفاته: انتقل إلى عالم الخلود يوم الجمعة في 6 يولية سنة 1934م ـ 24 ربيع الأول لسنة 1354ﻫ، ودفن في الجيزة.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/456 ـ 457).

الأعلام