أحمد الصابوني
أحمد الصابوني([1])
الشيخ أحمد الصابوني
(1875 ـ 1916م)
مولده ونشأته:هو المرحوم الشيخ أحمد بن إبراهيم القاوقجي، المشهور بالصابوني، ولد في مدينة حماة بحي باب الجسر سنة 1875م، وكان والده عطاراً في سوق الطويل متوسط الحال، وقد عني بتعليم ولده القرآن الكريم ومبادئ الكفاية في كتاب أهلي، واختار له حرفة الإسكاف فحذق، وظل يعمل فيها حتى قارب الثمانية عشرة من عمره، وكانت النجابة تبدو على محياه، ويميل إلى التنسك وملازمة العلماء، فترك المهنة وانتسب إلى العلم، ولازم حلقة الشيخ محمد علي المراد، فتلقى عنه علوم اللغة والدين، واتصل بغيره من العلماء، وأتاحت له المتابعة الاتصال بفريق من الطلاب المتميزين، وفي مقدمتهم المرحومين الشيخ حسن الرزق والشيخ سعيد الجابي، فانعقدت بينهم الألفة، وجمعتهم مؤهلات خاصة ومميزات مشتركة، وعقدوا العزيمة على تبديد ذلك الظلام الذي يحيط بجو العلماء ويجعلهم بمعزل عن الشعب ومشاركته في مشاعره وآلامه.
رحلته لدمشق: تعرف المترجم على المرحوم الشيخ سليم البخاري رئيس العلماء بدمشق وقد أتى بمهمة خاصة إلى حماة، فأخذ بآرائه التقدمية، وحملته هذه الروح الجديدة للقيام برحلات متعددة إلى دمشق اتصل فيها بعلمائها وأدبائها وقادة الرأي فيها، وانغمس في لجة الإصلاح، واتصل بالطبقة المتميزة المثقفة من الشبان المؤمنين بالتحرر والعاملين على إنقاذ البلاد من الجهل والأمية والعبودية الاجتماعية والسياسية؛ كالمرحومين عبد الحميد الزهراوي في حمص، والدكتور صالح قنباز، والدكتور توفيق الشيشكلي بحماة، وغيرهم من أعلام النهضة، واتصلبالصحافة، وأخذ ينشر ويدعو إلى آرائه وأفكاره في وجوه الإصلاح في الدين والسياسة والاجتماع، ويكتب في محاربة البدع وفي دعم اللغة العربية، ويطالب الحكومة بفتح المدارس والمستشفيات.
خدماته الثقافية: عين عضواً في لجان معارف حماة والأوقاف والمدافعة المالية لجمع التبرعات للجيش.
وبعد إعلان الدستور في سنة 1908م أصدر جريدته لسان الشرق، فساهمت في نهضة حماة، ثم توقفت عن الصدور، وقد ساورته المخاوف والقلق بعد شنق دعاة اللامركزية في دمشق وبيروت وجلهم من إخوانه وأصدقائه الذين كانت ترطبه بهم صلة الفكرة والمبدأ والإصلاح.
آثاره: لقد جادت قريحة هذا العالم الاجتماعي بالكثير من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة، منها: 1 ـ البيان، وهي رسالة في علم البيان تحتوي على جوهر هذا الفن بأسلوب واضح. 2 ـتسهيل المنطق، وهي رسالة تجمع قواعد هذا الفن بعبارة سلسلة واضحة. 3 ـ الدولة الإسلامية أو ماضي الشرق وحاضره، وقد طبع الجزء الأول منه، ولم يتمكن من تحقيق أمنيته بإخراج جزء آخر. 4 ـ تاريخ حماة.
أما كتبه المخطوطة: 1 ـ أحسن الأسباب في شرح قواعد الإعراب، وهو متن في النحو للنحوي الكبير ابن هشام، عقده نظماً على أسلوب المتقدمين ثم شرحه. 2 ـ شرح رسالة الشيخ يحيى المسالخي في النحو. 3 ـ الإصباح نظم متن نور الإيضاح في الفقه الحنفي. 3 ـ اليقين في حقيقة سيد المرسلين. 4 ـ المقاصد اللطيفة في الفقه الحنفي.
نثره: كان كاتباً أديباً، له نثر كثير متنوع، منه العلمي، وهو الذي كتب فيه مؤلفاته الكثيرة، ونثر أدبي نشره في جريدته لسان الشرق وغيرها من الصحف والمجلات، ومؤلفه (ماضي الشرق وحاضره) يعتبر من النثر الأدبي؛ لأنه يحتوي على الصفات والسمات التي يخص بها هذا الضرب من النثر الفني، وأسلوبه فيه إن لم يكن في الذروة القصوى في الأناقة والتنسيق، فهو يمتاز بخصائص ومميزاتتتصل ببيئته ومجتمعه، وتتلائم مع المستوى الاجتماعي والفكري الذي كان يعيش فيه.
شعره: له ديوان صغير يقع في نحو سبعين صفحة من القطع المتوسط، وإذا كانت مؤلفاته تدل على ثقافته العلمية ومقالاته تدل على آرائه ودعوته إلى الإصلاح، فإن شعره يدل على ثقافته وآرائه ودعوته وما لقي في سبيلها من عناء كبير وآلام مرهقة وتعب دائب وكد ناصب، ويعطي صورة واضحة عن فطرته وسجاياه وأخلاقه وطباعه وما تشتمل عليه تلك النفس من نبل وسمو، ومن لين وسماحة، ومن عزة وإباء، وهذا نموذج من شعره وهو يصف المظلوم:
أبكي عليه إذا دهته مصيبة | وكذاك أبكي منه لما يظلم |
قلبي عليه ومنه بات مقسَّماً | ما حال قلب للأسى يتقسم |
وتتجلى عاطفته ونبله ويتفجر حنانه رحمة على البؤساء فيقول:
أتى العيد للمحزون بالعبرات | وللبائس المسكين بالحسرات |
به صاحب الأحزان يبدي مسرة | ويخلو بفيض الدمع في الخلوات |
لقد غمرت روحه الوطنية ودعوته الاجتماعية شعره، وفيه الكثير من الحكم المجردة، منها قوله:
لا تحسدن على تناول رتبة | شخصاً تبيت له المنون بمرصد |
أوليس بعد بلوغه آماله | يفضي إلى عدم كأن لم يوجد |
لو كنت أحسد ما تجاوز خاطري | حسد النجوم على بقاء سرمدي |
وقال:
صحبت دهري وسوء الغدر شيمته | فإن عدوت فإن الدهر عاداني |
كم صاحب يتمنى لو نُعيتُ له | وإن تشكيت راعاني وفداني |
وقال:
مصائب تترى والنفوس غوافل | فإن عظمت فتكاً فأسبابها نحن |
وقد يضحك الإنسان من شر ما يرى | ورب ابتسام جره الهم والحزن |
ويتسامى في نزعاته الوجدانية فيدعو إلى التيقظ والنهوض، يلين أحياناً فيبلغ الرقة والاستعطاف، ويعنف أحياناً إلى حد التقريع والتوبيخ، فيقول:
بلاد عليها مهجتي تتفطر | ودمع الأسى من مقلتي يتحدر |
بلاد عليها الجهل مدَّ رواقه | فباتت بليل الفقر تمشي وتعثر |
أقلِّب طرفي في الرجال فلا أرى | بهم من بعمران البلاد يفكر |
إذا قام فيهم مرشد ودعاهم | لنيل المعالي سفهوه وأنكروا |
منزلته العلمية والاجتماعية: كان ذا مواهب متشعبة، فإذا كان لم يبلغ القمة ولم يصل إلى ذروة الكمال في إنتاجه العلمي والأدبي، فإن تعليل ذلك واضح جلي، فإن فترة إنتاجه لم تتجاوز العشر سنين؛ لوفاته في سن الكهولة المبكرة وقد أثقلت كاهله واجباته الكثيرة كداعية مصلح، وعالم مدرس، ومؤلف وكاتب وشاعر، ولو مد الله في أجله لكان له شأن عظيم، فهو من أركان النهضة الحديثة، ومن دعاة الإصلاح الديني والقومي والاجتماعي والخلقي في مطلع العصر الحاضر، ومن الإنصاف للتاريخ أن نصفه في زمرة كبار العلماء المصلحين أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا والكواكبي والألوسي، ولو هيئت للمترجم ما هيأته لهم الظروف لكان له مثل شهرتهم.
وفاته: لقد كانت وفاته إثر حمى انتابته ولم تمهله أكثر من أربعة أيام، فانتقلإلى عالم الخلود يوم الجمعة العاشر من شهر صفر سنة 1334ﻫ، الموافق سنة 1916م، ومشت حماة وراء نعشه باكية مواهبه، ودفن في مقبرة (شرفة باب الجسر)، وهكذا طوى الردى هذا العالم الجليل وهو في فجر نبوغه.
* * *