أحمد الصافي
أحمد الصافي([1])
أحمد الصافي النجفي
(1895م)
هو شاعر فذ تمثله قوافيه، وتعبر عما في جوارحه وجوانحه من آمال وآلام، لم يتقيد بشعوره وعواطفه بقيود المعاني وأغلال الأساليب، بل انطلق حرًّا بخياله الخصيب يصف البيئة الاجتماعية والحياة في أروع معانيها، عاش ناثراً في عبقريته وعصاميته، شأن النوابغ الذين جرعهم الدهر مرارة الحرمان.
أصله: هو الأستاذ أحمد بن علي بن صافي، وجده الأعلى السابع السيد عبد العزيز، قدم من المحمرة الإمارة العربية المجاورة للبصرة، وهي إمارة الشيخ خزعل، ولهم عشيرة ينتسبون إليها (آل أبي شوكة).
مولده: ولد في النجف سنة 1895م ودرس في الكتاب الأهلي، ثم أخذ يدرس العلوم القديمة كالنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان وأصول الفقه، وقضى في دراستها ثمان سنوات حتى بدأت الحرب العامة، فأصابه ضعف عصبي منعـه عـن متابعة الدرس، فأخـذ يطالـع للتسلية، وانصرف للأدب والصحـف والمجلات، ومنذ سنة 1914م إلى الآن وهو يلاحق الفكرة الجديدة، ويجمع بين الثقافة القديمة والحديثة.
محنته في حياته: عندما امتنع الإنكليز عن منح الاستقلال للعراق أصبحبيته في النجف مركزاً لمؤتمرات الثورة من سرية إلى علنية، ولما تراجع الثوار الوطنيون واقترب الإنكليز من بلدة النجف فر مع ثلاثة من أصحابه، وما كاد يصل إلى طهران حتى علم باحتلال الإنكليز لبلدة النجف والقبض على خمسة زعماء فيها أحدهم شقيقه الأكبر المرحوم السيد محمد رضا الصافي، وهو (والد الدكتور علي الصافي وزير الاقتصاد في وزارة أرشد العمري السابقة).
وبعد أن بقي المرحوم محمد رضا في السجن خمسة أشهر كان يعرض خلالها على المشنقة تهديداً له، فأرسل لشقيقه خمسة أبيات من الشعر نظمها في السجن، وطلب منه تخميسها، فخمسها وأعادها له، فنشرها في ذلك الحين بمجلة لغة العرب للمرحوم الأستاذ أنستاس الكرملي، وها هو الأصل والتخميس:
إننا في سوى العلى ما رغبنا | نملأ الكون رهبة إن غضبنا |
ما جزعنا للسجن يوم غلبنا | إن من رام مثل ما قد طلبنا |
لا يبالي إن سيق للسجن سوقا | |
نحن قوم عن العلا ما قصرنا | حيثما دار كوكب العز درنا |
وإذا جار حادث الدهر جرنا | رخصت عندنا النفوس فثرنا |
نطلب العز والعلاء لنبقى | |
قد خلقنا دون الورى أحرارا | وامتلكنا التيجان والأمصارا |
وجعلنا لنا المعالي شعارا | ولقد سامنا العدو احتقارا |
فرآنا نستسبق الموت سبقا | |
إن ذلي موتي وعزي حياتي | ما انثنت للعدو يوماً قناتي |
أنا فرع من دوحة المكرمات | أنا من أسرة كرام أباتي |
لا يرون الحياة في الذل أبقى | |
أنا لما أُسرت لم أُبد ضعفاً | لا ولم أرج من عدوي عطفا |
ولقد قلت والردى بي حقّا | شرع أن يكون موتي حتفا |
أو أراني يكون موتي شنقا |
دراسته اللغة الفارسية: وقد اغتنم هذا الشاعر فرصة وجوده في طهران، فأخذ يتعلم اللغة الفارسية ويدرس الأدب الفارسي، وبعد ستة أشهر عين أستاذاًلتعليم الأدب العربي، وبعد سنة قضاها رأى التدريس يضعف من صحته، فاستقال وأخذ يتمرن على الكتابة بالفارسية، وبعد أشهر صار يكتب ويترجم في أمهات الصحف الفارسية، وهناك رأى أن ما ترجم من شعر عمر الخيام إلى اللغة العربية لم يكن وافياً بالأمانة، فعمد إلى ترجمة رباعيات الخيام، ثم انتخب عضواً في النادي الأدبي الفارسي، وبعدها عين عضواً في لجنة الترجمة والتأليف في طهران، وترجم لوزارة المعارف كتاباً في علم النفس عن العربية لمؤلفيه مصطفى أمين وعلي الجارم.
عودته إلى العراق: وبعد أن قضى ثمان سنوات في طهران اشتد الطلب عليه من حكومة العراق ومن أصدقائه ليعود ويساهم في خدمة بلاده التي هي أحوج إلى الاستفادة من مواهبه، وعند وصوله إلى العراق رأت الحكومة ـ وكان وزير العدلية معالي داود الحيدري ـ تعيينه قاضياً في بلدة الناصرة، ولكن حر العراق الشديد ومرض الدوسنطاريا الذي كان يحمله من إيران هجما عليه فوقع طريحاً في الفراش.
رحيله إلى سورية: وبعـد أن قضـى ثلاث سنوات في العراق وهو يصارع الأمراض جاء إلى سوريا سنة 1930م للاستشفاء، فلم يبلغ الشفاء الكافي، وبقي يتنقل بين سوريا ولبنان متابعاً رسالته الأدبية، ولما احتل الإنكليز لبنان وسوريا قبضوا عليه في بيروت وألقوه في السجن، فقضى شهراً ونصفاً وهو سجين إدارة الأمن العام الفرنسية بأمر الإنكليز.
إنتاجه الأدبي: وقد نظم في السجن ديوانه المشهور (حصاد السجن)، وتوسطت حكومة العراق في عهد فخامة صالح جبر للإفراج عنه، وقد كتب على غلاف ديوان حصاد السجن هذين البيتين مشيراً بهما إلى سجن أخيه في الثورة العراقية الأولى، قال:
سجنت وقبلي في العلا سجنوا أخي | وآمل في العلياء أن يسجنوا الابنا |
إذا لم نورث تاج مجد وسؤدد | لأبنائنا طرًّا نورثهم سجنا |
شعره: لقد طرق الصافي جميع أبواب الشعر المعروفة، فضلاً عن الأبواب التي تفرد بها وهي ليست مطروقة في الشعر، وقد فتح عالماً جديداً يشهد بذلك دواوينه التسع.
يختلف هذا الشاعر عن غيره من الشعراء، فهو لم يطرق أبواب المدح والرثاء؛ ترفعاً عن شعراء التزلف والارتزاق.
آثاره الأدبية: أصدر الدواوين الشعرية، وهي: 1 ـ الأمواج. 2 ـ أشعة ملونة. 3 ـ الأغـوار. 4 ـ التيـار. 5 ـ ألحـان اللهب. 6 ـ هواجس. 7 ـ حصاد السجن. 8 ـ شرر، وهذه مطبوعة كلها، والديوان التاسع، واسمه (اللفحات)، وهو معد للطبع.
وأختتم ترجمة هذا الشاعر العبقري بكلمة أسف وألم، فإن في أطواره بعض الشذوذ، فقد أسعدني بزيارته في بيتي، فأهديته مؤلفي الجزء الأول من أعلام الأدب والفن مذيلًا بكلمة الإهداء والتوقيع، فباعه في سوق الكتب في بيروت، وهي بادرة غير مستحبة، وقد غاب عنه أن مزية الهدية أرفع من الطلب والاستجداء، وأنها لا تهدى ولا تباع، وقد ظن أن القدر سوف لا يكشف هذا السر، ولكنه انكشف وكان الكتاب المباع من نصيب السيد ثابت المحتسب الموظف في رئاسة مجلس الوزراء في سورية.
* * *