أحمد محرم
أحمد محرم([1])
(1877 ـ 1945م)
مولده ونشأته: هو أحد أعلام الشعر العربي الذين حفظوا وجوده، وأقاموا عموده، ومهدوا له السبيل إلى هذه النهضة، هو ابن المرحوم حسن عبد الله، من أصل تركي، ولد سنة 1294ﻫ ـ 1877م، وتلقى مبادئ القراءة والكتابة في مكتب قرية (الدلنجات) من أعمال مديرية البحيرة، وحفظ القرآن الكريم فيالثانية عشرة من عمره، ثم تلقى دروسه في مدرستي (العقادين الابتدائية، والجيزة بالقاهرة)، وقد عني والده بتثقيفه، فجاءه بطائفة من علماء الأزهر يدرِّسون له النحو والعروض وسائر العلوم العربية، وعكف من ثم على التراث الأدبي العربي في مختلف عصوره دارساً وحافظاً، ثم كوَّنته مدرسة الحياة الكبرى حكيماً اجتماعيًّا.
مواهبه: كان شاعراً مطبوعاً على الديباجة المشرقة، والقافية المحكمة، يطيل النظم في غير سقط، ويبالغ في غير شطط، ويتأنق في غير تكلف، ومن آثاره نظمه (الإلياذة الإسلامية)، وهو عمل وحده يكفي لتمجيده وتخليده، وديوان شعر عنوانه (مجد الإسلام)، ويعتبر في شعره نسيج وحده، وأقرب الشعراء المعاصرين ديباجة من شعراء العرب، وليس في طباع الشعراء طبع أدلَّ من طبعه وزميله الشاعر حافظ إبراهيم على جودة الإلقاء بالفصاحة الكاملة.
واستمع إلى قصيدته البليغة بعنوان (النفس الأبية):
ذكرتُ الهوى أيام يصفو فنحتسي | ويضفو الصبا عن جانبيه فنكتسي |
نقضي منانا من رياض وأوجُهٍ | ونشفي صدانا من شفاهٍ وأكؤس |
لذاذات عيش صالح كنَّ أنعما | فأعقبن من حدثانِ دهر بأبؤس |
طوينا بقاياها ففاضت من الأسى | بقايا قلوب جازعات وأنفس |
خلت أربع الأهواء إلا من البلى | يعفِّي بها آثار ملهىً ومجلس |
تعوضت عنها بالياً بعد مونق | وبُدلتُ منها مُوحشاً بعد مؤنس |
ألا هل لأيام الشبيبة رجعة | فأطمع في ماضٍ من العيش مؤنسي |
تمتعت من دهري بظبي مربَّبٍ | فقد عاد يرميني بسيْدٍ عَملَّس |
أقول لنفسي والأسى يستثيرها | مكانك إن النفس بالنفس تأتسي |
ألم تعلمي أن الزمان بأهله | يدور وأن الصفو نغبة مُحتس |
متى تطلبي ما ليس للدهر شيمةٌ | تعاقي عن الأمر المروم وتحبسي |
ومنها:
إذا ضرَّسَ اللؤم الوجوهَ فشانها | بقيت ووجهي وافرٌ لم يضرَّس |
وما راعني إلا حسود يعيبني | على ما يرى من طيب عودي ومغرسي |
ومنها:
ولست كساعٍ بالأباطيل والرُّقى | إلى الناس يزجيها بضاعة مفلس |
متى ما أقلْ قولاً فلست بكاذب | أصادي به نفعاً ولا بمدلِّس |
وفاته: قبض إلى رحمة ربه على الفراش الذي ينسجه القدر للأدباء الأحرار الصابرين من الفاقة والمرض والوحشة بعد أن ظل اسمه لامعاً في سماء الأدب العربي زهاء نصف قرن، والناظر في تاريخ الشعر الحديث يراه في الرعيل الأول من شعراء الأحياء الذين خلفوا البارودي على إرث الشعر، فجددوا باليه وأنعشوا ذاويه، ثم تخطفهم المنايا واحداً بعد واحد، ومما يؤخذ على أحمد شوقي أمير الشعراء محاربته للشاعر المترجم في مواهبه وعبقريته بدلاً من تخفيف وطأة بؤسه وشقائه.
وفي اليوم السابع من شهر رجب سنة 1364ﻫ ـ 13حزيران سنة 1945م وافاه الأجل.
* * *