أحمد بن محمد آقبيق
أحمد بن محمد آقبيق([1])
العبقرية الشامخة... مواهب أبي خليل القباني الفنية الخالدة
لما احتل التتر بعض الأقطار العربية ثلاث مرات في زمن المماليك، وحلت فيها نكبات القتل والسبي والدمار، ثم آل الأمر من بعدهم لبني عثمان الأتراك، كانت فترة طويلة الأمد امتدت زهاء سبعة قرون، وكأن الدهر شاطرها الأحزان والأتراح فلم تنجب أي فنان موسيقي، ثم أتحفها بالمتفنن الشرقي العظيم والممثل النابغة القباني رحمه الله.
أصله: هو أبو خليل أحمد بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق، ولد في دمشق سنة ألف وثمان مئة وثلاث وثلاثين ميلادية، وينحدر من أصل تركي يتصل بأكرم آقبيق ياور السلطان سليمان القانوني، وأحد أجداده هو شادي بك آقبيق الذي شاد مدرسة الشابكلية للعلوم الدينية مع جامع كبير، وأوقف لهما أوقاف القنوات بأجمعها، ثم لقب في عهده بالقباني لأنه يملك قبان باب الجابية، نسبة إلى القبابين التي كانت بذلك التاريخ ملكاً لفريق من العائلات في كل حي من أحياء دمشق.
نشأته: عاش الفقيد رحمه الله بكنف والده، وجنى ثمر العلوم على أفحل علماء زمانه وأدباء عصره، وكان التدريس في ذلك العهد يجري في الجوامع، حيث تقام حلقات الدراسة لشتى العلوم العربية من نحو وصرف وبيان وبديع ومنطق وفقه وفرائض، وكانت حلقة القباني تضم أكثر من ألفي طالب، فكان بين أقرانه كالبدر بين النجوم، وقد ظهرت عليه آيات النبوغ والميل الفطري للفن الموسيقي والتمثيل وهو في الثانية عشرة من عمره، ثم أكب على دراسة اللغة التركية على أحد علماء هذه اللغة في جامع الطاووسية فأتقنها، ثم درس اللغة الفارسية ـ وكان عمره آنئذ ثمانية عشرة عاماً ـ فنبغ فيها، وكان يسهر مع أخدانه من أفراد الأسر الكريمة ويقوم بتمثيل الروايات في البيوت، وكانت أول رواية مثلها في سهرات البيوت الدورية هي رواية ناكر الجميل، ألفها الفقيد متأثراً من حادثة معينة وقعتبين صديقين كان أحدهما عاقًّا أوقع برفيقه الذي أحسن إليه كل أذية وضرر.
ولما حضر مدحت باشا المشهور والياً إلى دمشق قام بجولة يتفقد فيها أحياء دمشق والحالة الاجتماعية والروحية فيها، فلفت نظره كثرة المقاهي التي يمثل فيها حكايات (قره كوز)، فانتقد وجهاء دمشق وعلماءها على هذا المستوى المنحط، ولامهم لإقبالهم على مشاهدة مناظر مخجلة واستماع ألفاظ بذيئة، فسألهم ألا يوجد في دمشق من يستطيع إقامة مسرح تمثل فيه الروايات الأدبية، فأجابوه بأن الشاب أحمد القباني يقوم بتمثيل بعض الروايات في سهرات خاصة مع فريق من أصحابه في بيوت دمشق، وهو خير من يفي بالغاية المتوخاة، فأمر بإحضاره، فخشي الفقيد رحمه الله عاقبة الأمر، وظن بأنه قضى لا محالة وذهب ضحية واش وشى به، وكانت الناس تؤخذ بالشك والريبة في عهد السلطان عبد الحميد، ولما كلفه بتمثيل رواية ليشاهدها بنفسه ارتد إليه روعه واطمأن على حياته، فامتثل للأمر، وشرح له بأن التمثيل يحتاج إلى مسرح وأدوار تمثيلية لابد منها، فأمر أن يعطى من بلدية دمشق تسع مئة ليرة ذهبية لهذه الغاية، واستعد الفقيد على قدر الإمكان، وقد دعا الوالي مدحت باشا المشايخ لمشاهدة التمثيل بحضوره، ومثل القباني رواية الشاه محمود، واستعان بآنستين جلبهما من لبنان هما (لبيبة ومريم)، وبفتيان مرد، وهم موسى أبو الهيء، وهو مسيحي من باب توما، وتوفيق شمس وراغب سمسمية من مسلمي دمشق للقيام بأدوار التمثيل، فكان الوالي معجباً من براعة الفقيد بالتمثيل ومسروراً لهذا النجاح الذي كان وليد اقتراحه، وابتسم الدهر للفقيد رحمه الله، واغتبط لإقبال الأهلين على مشاهدة التمثيل وتشجيع الوالي لفنه الذي كان له أعظم الأثر في منهاج حياته، فعمد لبيع حصته من أراضي قرية جديدة عرطوز وحصة من أملاكه بدمشق مع القبان الذي كان يملكه، وصرف المبالغ على إنشاء المسرح بشكل فني، فبلغت تكاليفه كألبسة الممثلين والسيوف والمناظر والستائر الملونة مبلغ ألفي ليرة عثمانية، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لذلك العهد، وبدأ بالتمثيل في عام 1880م في البناية التي استأجرها في خان الكمرك المشهور الواقع في منطقة باب البريد، فكان ثمانون بالمئة من متنفذي دمشق وأتباعهم يدخلون المسرح لمشاهدة التمثيل دون أن يدفعوا بدل الدخول، وكان رحمه يقابلهم بالبشاشة والترحاب رغبة في تنوير الأذهان، وليعلموا أن التمثيل يدعو إلى مكارم الأخلاق والمبادئ القويمة، وقد دام التمثيل سنة وأحد عشر شهراً على أحسن ما يرام بالنسبة لتقدم الفن، وعلى أسوأ ما يكون بالنسبة إلى المادة، إذ كانت الواردات تسدد النفقات فقط دون أن يجني الفقيد شيئاً من الأرباح لقاء أتعابه.
ثم صدرت الإرادة السنية بإبعاد الوالي مدحت باشا إلى الطائف في الحجاز، فقام بعض المتعصبين من المشايخ الذي كانوا سكتوا رهبة من الوالي مدحت باشا واحتجوا شاكين إلى خلفه الوالي الجديد بأن روايات القباني هي بدعة وضلالة، وقد جاء في شكواهم ما نصه حرفيًّا ـ ننشره هنا لطرافته للتاريخ ـ :
(إن وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية، ونراه على الناس خطباً جليلاً ورزءاً ثقيلاً؛ لاستلزامه وجود القيان ينشدن البديع من الألحان بأصوات توقظ أعين اللذات في أفئدة من حضر من الفتيان والفتيات، فيمثل على مرأى من الناظرين ومسمع من المتفرجين أحوال العشاق، فتطبع في الذهن سطور الصبابة والجنون، وتميل بالنفس إلى أنواع الغرام والشجون، والتشبه بأهل الخلاعة والمجون، فكم بسببه قامت حرب الغيرة بين العواذل والعشاق، وكم سلب قلب عابد، وفتن عقل ناسك، وحل عقد زاهد).
والخلاصة فإنهم مثلوا بالتمثيل أشنع الأوصاف زاعمين أنه أس كل رذيلة وفعل وبيل، فصدر الأمر بمنعه عن التمثيل، وهب المشاغبون فاستباحوا نهب مسرحه وكافة أدواته، وأضاع الفقيد ثروته الطائلة، حتى اضطر للاختفاء مدة شهر واحد ريثما خمدت ثورة الهياج، فأزمع على مبارحة البلاد السورية، (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر).
رحلته إلى مصر: لقد فطر الفقيد رحمه الله على الإباء والشمم والمروءة، فعزت عليه نفسه الكبيرة أن يبقى في بلد لا يقدر أهلها الفنون الجميلة حق قدرها، عدا عن ضغط الحكومة التركية عليه، والعراقيل المادية والعثرات الأدبية التي مني بهما، وكان إيمانه الوطيد بالله عز وجل وبقدسية القومية العربية أكبر حافز لمثابرته على تأدية رسالة الفن والأدب، فظل صامداً كالجبار العنيد لا تثنيه عن عزمه المشاغبات والمعاكسات، وكتب إلى صديقه المرحوم سعد الله حلابو التاجر السوري المثري في الإسكندرية يستشيره في الشخوص إلى مصر أو عدمه، ويخبره بما وقع له من منعه عن التمثيل، ونكبة النهب التي حلت به، فأجابه مؤكداً له نيل مناه في القطر المصري، وأرسل له باخرته المسماة (قاصد كريم)، فأبحر عليها مع خمسين فرداً من أخصائه مفارقاً وطنه الذي أحبه، وفي قلبه غصة تجيش في نفسه ذكريات الماضي المحرقة، وفي وجهه علائم الأسى واللوعة لوحشة الفراق وقد خنقته العبرات. فكان الناس ينتظرون مقدمه بفارغ الصبر، وأقاموا يترقبون تحقيق أمنيته، حتى حضر فاستقبل استقبالاً حافلاً بالترحاب والتكريم، وأشارت جريدة الأهرام بعددها المؤرخ 23 تموز 1884م ورقم 1974م بوصوله. وسافر المرحوم سعد الله حلابو إلى القاهرة وقابل خديوي مصر توفيق باشا، وعرض على مسامعه قصة المرحوم القباني، فأمره بالعودة فوراً إلى الإسكندرية لإحضاره إلى القاهرة، وتشرف بمقابلته، وكانت مفاجأة سارة من الخديوي بإعطائه دار الأوبرا لتمثيل رواياته فيها مدة سنة؛ تشجيعاً لفنه دون مقابل، ووهبه أرضاً في حي العتبة الخضراء شاد عليها مسرحاً للتمثيل من مورده الخاص، وكانت أول رواية مثلها وحضرها الخديوي هي رواية (الحاكم بأمر الله) وأنشد فيها موشح الحجاز الخالد من وزن الشنبر، وهو من نظمه وتلحينه:
برزت شمس الكمال | من سنا ذات الخمار |
وروى أحد المقربين عن لسان الخديوي بأن القباني لما دخل المسرح وجلس على عرش الملك باعتباره يمثل دور الحاكم بأمر الله أثرت في الخديوي عظمة التمثيل، فشردت أفكاره وهبَّ واقفاً هنيهة، ووقف الجمهور معه، ثم شعر بنفسه وجلس، وقال لمن حوله: (خلتُ أني كنت في قصر أقجة قلعة وأن السلطان عبد العزيز قـد دخـل وجلس على عرشـه، فوفقتُ إجلالاً لـه)، وهذا أكبر دليل على ما خص الله به القباني من هيبة ووقار وتأثير روحاني على النفوس، وقدرة سمت بعظمة فنه إلى الخلود.
ثم مثل رواية هارون الرشيد، وأنس الجليس، وفي هذه الرواية أنشد بصوته العذب الجميل موشح الحسيني الخالد من وزن الشنبر، وهو من نظمه وتلحينه:
رقص البان وغنى | من على الغصن الهزار |
وجريح القلب ثنَّى | في تلاحين الحصار |
ثم موشح العجم من وزن المصمودي، وهو:
شمس كاسِ الراحِ تُجلى | من يدِ الريم المهفهفْ |
واهتزت مصر طرباً لحفلات رقص السماح التي شاهدتها لأول مرة ـ وقد بلغت دهشة الحاضرين من روائع فنه حدًّا لا يوصف.
هذا ولما كان الفقيد قد ترك عائلته المؤلفة من ولديه خليل وعبد الحميد وأربع بنات بدمشق، وغاب عنهم أكثر من عشر سنوات في مصر، فقد هزه الشوقلرؤيتهم، فحضر إلى دمشق وترك مسرحه التمثيلي في عهدة تلامذته البارعين، ثم دعاه صديقه المرحوم محمد بن سليمان الجندي من حمص لزيارته مع عائلته، فمكث فيها ضيفاً معززاً مكرماً مدة سنة، ثم ترك ولديه وبناته تحت رعاية صديقه الذي هيأ لهم عملاً يعيشون منه، وأنشأ لهم معملاً لصنع النشاء فيها، وأقاموا مدة سنتين، ثم عادوا إلى دمشق، وكان ذلك عام 1891م، وعاد الفقيد وحده إلى مصر، وكانت إقامته فيها سبعة عشر عاماً، وشاءت الأقدار أن يعلو بفنه ويبلغ ذروة المجد والعظمة، فيضيق حساده ذرعاً بتفوقه عليهم، وفي طليعتهم إسكندر فرح والشيخ سلامة حجازي وغيرهما من أصحاب مسارح التمثيل، فدبروا المكائد للتخلص من وجوده في مصر، واستغلوا بعض الأوباش المأجورين فأحرقوا دار التمثيل، وكان لأحد أعيان مصر دين على الفقيد يزيد على ألفي جنيه مصري، فاضطر الفقيد لإعطائه الأرض لقاء دينه، وقد أثرت هذه النكبة الفادحة في أوضاعه المادية، فغادر مصر إلى استانبول ونزل ضيفاً مكرماً على المرحوم أحمد عزت باشا العابد رئيس كتاب الباب العالي، وكان يجتمع بالسلطان عبد الحميد بين حين وآخر وينشد له موشحات تركية وفارسية وعربية من تلحينه، ويبدي إعجابه بمواهبه وفنه وفصاحته وتكلمه اللغة التركية كأبنائها، فأصدر السلطان براءة سنية بمنح كل بنت من بناته الثلاث راتباً شهريًّا قدره ثلاث مئة وخمسون قرشاً ذهبيًّا ما دمن على قيد الحياة دون زواج،وقد وافاهن الأجل ولم يتزوجن، ودامت مدة إقامته في استانبول سنة واحدة قضاها مرغماً وعلى كره منه، واجتمع بفطاحل الأدباء والفنانين الأتراك الذين شهدوا بأدبه وفنه، وقد عرض عليه السلطان عبد الحميد منحه الأملاك والوظائف فأبى شاكراً، وتألم أحمد عزت باشا العابد من موقفه ولامه قائلاً: (السلطان يعرض عليك المنح والعطايا وأنت ترفض)، إذاً أنت غبي.
وقد سأله السلطان عن سبب وجوده في مصر، فأعلمه بمنعه عن التمثيل بدمشق بأمر شاهاني، فأمر السلطان أن يفتش عن هذا الأمر، واتضح بعدئذ أن السلطان لا علم له به، وأن الوالي الذي خلف مدحت باشا أراد التقرب من شيوخ دمشق فجعل الفقيد كبش الضحية وثمناً لاكتساب مودتهم على أكتافه، فمنعه من التمثيل مدعياً بورود أمر سلطاني بالمنع، ثم استأذن السلطان بالسفر، فصدرت إرادة سنية بالسماح له بالسفر إلى دمشق كي لا يتعرض إليه أحد بسوء كما وقع يومجرى تزوير أمر توقيفه عن التمثيل.
تآليفه: كان الفقيد رحمه الله عالماً متضلعاً، ومؤلفاً بارعاً، وشاعراً مبدعاً، وناثراً بليغاً، ولبيباً فصيح اللسان، وقد جادت قريحته بتأليف ثمان وستين رواية، عرف منها روايات ناكر الجميل، الشاه محمود، السلطان حسن، أسد الشرى، لوسيا، عنترة، هارون الرشيد، وأنس الجليس، متريدات، عفيفة، ملتقى الحبيبين، وأسما وسليم، وأكثر هذه الروايات مطبوع يباع في المكاتب المصرية، وفي اقتنائها فائدتان:
الأولى: ليعرف قـدر هـذا العالم العبقري في الأدب والفن والموسيقى لمن لا يعلم.
والثانية: لوجود ألحانه الموضوعة بمناسبات مناظر ومواقع التمثيل في هذه الروايات، وقد جمعت بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها.
فنه:
وإذا المكارم والمعارف كانتا | إرثاً فلا داع إلى التعظيم |
كان رحمه الله ملحناً وممثلاً عبقرياً، ويعتبر الفقيد من أبرز مؤسسي مسرح التمثيل في الأقطار العربية، وتلقى عليه نخبة من فطاحل الفنانين المصريين الفن الموسيقي أمثال الشيخ درويش الحريري أستاذ الشيخ سيد درويش، وكامل الخلعي الموسيقار المشهور، والشيخ سلامة حجازي وغيرهم، وهو الذي نقل الغناء الشامي وأكثره من نظم وتلحين الشيخ أمين الجندي الشاعر الحمصي المشهور ونشره في القطر المصري، فكان مسرحه منهلاً لطلاب الفن ينهلون من رحيقه، ومورداً عذباً يؤمه الكبراء والأمراء، والشعراء والأدباء لمشاهدة درره النفيسة ومواضيعه البليغة.
وقد ذكر المرحوم عزيز العظمة أنه حضر مرة مع وزير إيران تمثيل رواية الشاه محمود، وأنشد الفقيد أشعاراً فارسية، فزاد في استغراب الوزير أن يكون المنشد عربياً وأتقن اللغة الفارسية كأنبغ أبنائها.
أما مواهبه ومكانته بين عباقرة الفن فإنهم لو حشروا لبايعوا القباني بالإمارة عليهم، ولساروا في ركابه معتزين فخورين بعبقريته الخالدة.
صفاته: لقد كان الفقيد المرحوم على جانب عظيم من ثبات الجأش وقوة العارضة في تفهم المعنى وتقرير القاعدة، فيقولها بكلام بسيط يقرب من الأفهام، وكان يقول ردًّا على ما طعنه به بعض المتعصبين: (التمثيل جلاء البصائر ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسير، وباطنه مواعظ وعبر، فيه من الحكم البالغة والآيات الدامغة ما يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويرغب في اكتساب الفضيلة، وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة).
كان عظيم التواضع، وديعاً، أنيساً، كبير النفس، يرى الحياة ميدان جهاد وتضحية، ومضمار ثبات وإقدام، يعطف على الفقير رحمة به وإيثاراً لطاعة ربه، ويساعد الضعفاء من أبناء فنه.
كان ذا تقى وورع؛ لأن الدين دعامة الفضائل والمآثر والمبرات، ويهوى الشعر لأنه لغة الخلود والإحساس والعاطفة، ورسول الوحي والإلهام، ويجل الموسيقى والغناء والتمثيل لأنها سلوى الحياة وعزاء النفوس، ودواء الأفئدة المكلومة.
وفاته: وفي اليوم الواحد والعشرين من شهر كانون الأول سنة ألف وتسع مئة وثلاثة ميلادية طالت يد المنون القاهرة روح الفقيد الطاهرة، فطوت أمجد وأنبل شخصية عبقرية أتحف الدهر بها الشرق على إثر إصابته بعدوى الطاعون، ودفن بمقبرة عائلته في باب الصغير في السنانية بدمشق، وأنزل في قبر والده، وبأسفل قبره يقع قبر ابنته المرحومة خانم، وأنزل فوقها ابنته الثانية المرحومة الشهيدة سلوى.
ونظراً للتناقض الواقع في تاريخ وفاته بين المؤرخين قصيدتين من الأبيات الشعرية المكتوبة على شاهدة قبره وما كتب على أسفلها أنه توفي في غرة شهر شوال سنة 1321ﻫ، ويوافق ذلك ليلة الأربعاء في 21 كانون الأول سنة 1903م، وقد آثرت إثبات الأبيات في حديثه للاطلاع:
لسمي أحمد جاء داعي الحق إذ | بعد الصيام قضى بيوم أشرف |
ولحضرة الرحمن سار أبو خليـ | ـل معبداً يا حبذا هو من وفي |
أعنيه قباني من أفضاله | كالشمس قد ضاءت ولم تك تختفي |
لله قبر قد حوى حبراً فما | أعجب به بحراً غدا بالصدف |
وإلى جوار الله زف بجنة | منها لقد أرخ بدا بالغرف |
وقد ترك أطيب الذكرى وأحسن الأحدوثة، وأعقب ولدين وثلاث بنات، الأول خليل، وهذا أعقب الأديب السيد زهير القباني الموظف حالياً في جامعة الدول العربية بمصر، وعبد الحميد، وقد توفي ولم يعقب ولداً.
* * *
[فرقة القباني الفنية]
قد يظن القارئ أن من السهولة بمكان التحدث عن النابغين ووصف مراحل حياتهم كأنه شيء عادي لا جهد في البحث ولا عقبات في التنقيب، ولو علموا مدى الجهد وما يستغرقه من زمن لأنصفوا وقدروا، لقد دفعني افتتاني بعبقرية أبي خليل القباني الفنان الشرقي الأشهر أن أضحي بشطر من راحتي بالرغم من كثرة مشاغلي الخاصة والرسمية للوقوف على مرحلة من حياة هذا النابغة الذي لم يخلق بعد منذ وفاته حتى الآن من ماثله بعظمة جبروته الفني، وليعلم عشاق الفن أن فرقة القباني تمتاز عن غيرها من الفرق الحديثة، فقد كانت تضم أفضل العناصر ثقافة وأقواها لغة وعلما من شعراء ومؤلفين وملحنين وممثلين ومنشدينوعازفين، وأبرز عنصر فيها هي فرقة راقصي السماح، فقد كان الشعب المصري شغوفاً بمشاهدة هذا اللون البديع في أوزانه الراقصة المتشعبة.
فإذا قلت: إن عدد الممثلين في فرقة القباني بلغ نيفاً وخمسين فناناً كنت على يقين بأني غير مسرف في القول ولا مبالغ في الوصف، بل هي الحقيقة بعينها، وربما كان استقصائي أقل من العدد الواقعي، وإني أتحدث والألم يحز في نفسي لأن الزمن فاتني ولم يبق من أفراد فرقته أحد على قيد الحياة فأقف منه على معلومات تهم المجتمع والتاريخ، ومع ذلك فقد استطعت بعد جهد مرير أن أحصر أسماء (46) فرداً.
ولما كانت هذه الفرقة لها علاقتها التاريخية بحياة أبي خليل القباني وما تركه من آثار خالدة ومجد فني لا يضاهى ولا يبارى، ذلك النابغة الذي تطاول على عبقرية المصريين في عقر دارهم، فشهدوا له أنه الرائد الأول لفنون التمثيل والتلحين، وظل يعمل مدة (17) سنة منذ عام (1884م) إلى سنة (1901) ميلادية، حتى احترق مسرحه التمثيلي بدافع الحسد والتشفي، فإني أسأل: هل استطاع أحد من رؤساء فرق التمثيل في أي بلد شرقي أن يؤلف فرقة تمثيلية تضم هذا العدد الضخم من الفنانين البارزين بمواهبهم الفنية؟ وفي حال وجودها هل استطاعت أن تعيش السنين التي عاشتها فرقة القباني العظيم؟ وهل نكبوا بمثل ما نكب من أذى وحرق وحرب في رسالته الفنية المثالية؟ وهل بلغت شأوها الفني؟ فإن وجدت، فأين هذه الفرق؟ وأين الثرى من الثريا؟
ولما كان عهد القباني في التمثيل ذا مرحلتين:
الأولى: تأسيسه الفرقة التمثيلية والعمل في مسرح دمشق مدة (سنة وأحد عشر شهراً)، حتى نهب مسرحه وحرق إثر ثورة المشايخ عليه، ومحاربة رسالته وغاياته النبيلة في تنوير الأذهان ونشر الفضائل المثالية في المجتمع مما لا مجال لذكره.
والثانية: سفره إلى مصر وتمثيله مدة (17) سنة حتى احترق مسرحه للمرة الثانية على أيدي الرعاع والأوباش بدافع الغل والغيرة في التفوق الفني.
ففي المرحلة الأولى ضمت فرقته بعض الأفراد الذي آثروا البقاء بدمشق دون اللحاق به لعوامل قاهرة، وفي المرحلة الثانية انضم إلى فرقته بعض العناصر،فمنهم من عمل معه بضع سنين، ومنهم من بقي معه حتى عاد إلى دمشق، وإني أدرج أسماء من استطعت:
ـ إبراهيم ديب: وكان يمثل دور الكوميدي.
ـ محمود العمري: الأمين الخاص للقباني ورئيس التشريفات.
ـ درويش بن حسن البغجاتي: المشهور بحمد الله وكان يمثل دور الأوانس.
ـ راغب بن حسن سمسمية: وكان يمثل دور الأوانس.
ـ موسى أبو الهيء: وكان يمثل دور الأوانس.
من عرفتهم من فرقته الفنية مع ذكر اختصاص كل منهم، وهم المرحومين:
1 ـ داوود بن قسطنطين الخوري (الحمصي)، شاعر ومؤلف وملحن، جميل الصوت، وله روايات خالدة كثيرة، كان موظفًّا بدمشق.
2 ـ محمد بن أحمد الشاويش (الحمصي)، ذو صوت جميل، وراقص سماح، وقد بقي بدمشق.
3 ـ عطا الأيوبي، وكان ممثلاً غاوياً في عهد شبابه بفرقة أبي خليل القباني الأولية.
4 ـ عمر بن صالح الجراح، العازف الشهير على العود والقانون، لم يسافر لمصر.
5 ـ المرحوم عطا الخلاصي، ممثل، وقد سافر إلى مصر.
6 ـ قسطاكي شحلاوي، كان ممثلاً غاوياً بفرقة دمشق الأولية، وقد مثل دور القائد العام في رواية الملك كسرى.
7 ـ عزت بن سليم الأستاذ، وقد مثل خمس روايات بفرقة التمثيل الأولية، ولم يسافر إلى مصر.
8 ـ نيقولا شاهين الدمشقي، كان ممثلاً غاوياً، ولم يسافر إلى مصر.
9 ـ محمود العمري الدمشقي، كان الأمين الخاص للقباني ورئيس التشريفات، وقد سافر إلى مصر.
10 ـ مستو الجوخدار، كان في فرقة السماح، ولم يسافر إلى مصر.
11 ـ صالح بك بن عثمان بك بن موسى باشا، المكنى بالدرويش، كان ملحناً وشاعراً، وواضع النوطة الفنية.
12 ـ محمود النشواتي الدمشقي، منشد، ذو صوت جميل، وراقص سماح.
13 ـ أمين بن عبد القادر الأصيل الدمشقي.
14 ـ صالح بن محمد الصيرفي، راقص سماح.
15 ـ محمد إبراهيم الغلاييني.
16 ـ أحمد بن عبد الله العمري.
17 ـ أحمد بن محمد الشيخ، وقد سافروا جميعهم إلى مصر.
18 ـ محمود بن السيد مصطفى الإمام، منشد، ذو صوت جميل، وراقص سماح.
19 ـ إبراهيم بن محمود المهنا، ممثل ونجار، يقيم المراسح، ويهيئ ملابس وعروش الملوك.
20 ـ صالح بن سعيد البوشي، رئيس فرقة السماح.
21 ـ الشيخ عبده بن عبد الله المغربي، جميل الصوت.
22 ـ أحمد النجار بن عبد الله النجار، وقد سافروا إلى مصر.
23 ـ الشيخ عبد الرحمن القصار، شاعر ومنشد وراقص سماح، ولم يسافر إلى مصر.
24 ـ أحمد بن سعيد الحلو، ذو صوت جميل.
25 ـ محسن الجدا، منشد وعازف عود.
26 ـ شكري الجدا، عازف قانون.
27 ـ بديع الجدا، عازف عود.
28 ـ محمود الكحال، عازف قانون، وقد سافروا جميعهم إلى مصر.
29 ـ ديب بن سعيد خوش مي، عازف كمان وممثل هزلي.
30 ـ أبو الخير بن سعيد النجار، فنان في الأدوار الهزلية ونجار للمسرح.
31 ـ محيي الدين بن راغب الأسطواني الشهير بالسفرجلاني، أمين سر للقباني وممثل.
32 ـ حسين بن أحمد الورنة لي الساعاتي، ممثل، ذو صوت جميل، وراقص سماح، وعازف قانون.
33 ـ مصطفى بن أمين القاري، ممثل وخبير بانتقاء ألبسة الممثلين، وهؤلاء سافروا إلى مصر.
34 ـ الشيخ رشيد بن إبراهيم عرفة الدمشقي، ذو صوت جميل، ومنشد بارع مشهور، ولم يسافر إلى مصر.
35 ـ محمد بن محمود الخوام الدمشقي، منشد، ذو صوت جميل، ولم يسافر إلى مصر.
36 ـ توفيق بن رضا شمس، كان يمثل دور الأوانس، وقد سافر إلى مصر.
37 ـ درويش بن حسن البغجاتي المشهور بحمد الله، كان يمثل دور الأوانس.
38 ـ موسى أبو الهيء، كان يمثل دور الأوانس.
39 ـ راغب بن حسن، كان يمثل دور الأوانس، وقد سافر إلى مصر.
40 ـ سليم بن حسن الحنفي الدمشقي، كان يمثل دور الأوانس، وكان شاعراً أديباً، وفناناً موسيقيًّا بارعاً، ولم يسافر لمصر.
41 ـ عمر وصفي، ممثل مصري التحق بفرقة القباني التمثيلية بمصر.
42 ـ محمد عبد الغني، ضابط إيقاع على الرق.
43 ـ راغب بن عبد الله الصيداوي.
44 ـ حسن بن عبده الحلبي، راقص سماح.
45 ـ صالح بن سعيد غزان، ضارب على النقارات، وقد سافروا كذلك إلى مصر.
46 ـ كامل الخلعي الموسيقار المصري المشهور، وكان يتلقى موشحات القباني مع فرقة التمثيل.
وهناك ممثلون وممثلات وغانيات حلبيات تعذر معرفة أسمائهن، وكان القباني حضر من مصر إلى حلب وأخذهن مع العازفين بديع الجدا وشكري ومحسن الجدا إلى مصر، وأشهرهن المغنية الجميلة ملكة سرور الحلبية.
رحلة القباني التاريخية إلى معرض شيكاغو في أمريكا:
وصدف أن زار مسرح القباني التمثيلي في القاهرة بعض الكبراء الأثرياء من السواح، فأعجبوا بفنه التمثيلي، فدعوه لزيارة المعرض، فسافر سنة (1892) ميلادية مع (20) ممثلاً إلى شيكاغو في الولايات المتحدة، كان بينهم صالح بك ابن عثمان بك الملقب بالدرويش، ومصطفى القاري، وأبو الخير النجار، وأمين الأصيل، وإبراهيم المنجد، وموسى أبو الهيء، وحسين الساعاتي، رحمهم الله، ولم أستطع معرفة أسماء البقية لوفاتهم جميعاً، وفقدان المعلومات لمرور عهد طويل على هذه الرحلة التاريخية، وقد تأكد أن القباني رحمه الله أقام في معرض شيكاغو مدة ستة أشهر، وكان يمثل روايات قصيرة كي لا يتسرب الملل والضجر إلى نفوس الزائرين، وأخذ معه صورة عن واجهة باب خان أسعد باشا العظم المشهور بروعة بنائه الأثري بدمشق، وعمل منها واجهة من الكرتون المطلي بالألوان الزيتية، وعرضها في المعرض فحازت الإعجاب.
رحمك الله يا أبا خليل بقدر ما أسديت إلى المجتمع من خدمات جلى في مضمار الفن الخالد.
* * *
حفلاته الربيعية
الربيع كلمة ساحرة تهفو لنجواها القلوب، وصفها في معناها ومغزاها الشاعر البليغ الشيخ أمين الجندي فقال: (ما العمر إلا مدة الربيع)، فأهل الشام على اختلاف طبقاتهم يرون في فصل الربيع فرصة لاغتنام المتع وتسرية الهموم والأشجان ـ فتحت ظلال الخمائل وزهور النارنج والسفرجل وهبات النسيم العليل كانوا وما زالوا يقيمون حفلاتهم أو ما يسمونها (سيارينهم)، فيحتفلون بأيامه الغر ببهجة وحبور، وذلك بأن ينصبوا الخيام في السهول والمنحنيات والبطاح والوديان للتمتع بمناظر الربيع الخلابة وقد كسا الأرض بحلله الخضراء المزركشة بالألوان الزاهية من زهور النرجس والشقائق والأقحوان ـ واستنشاق شذا وروده وريحانه بين الخلان والأخدان، بينما البلابل والعنادل تطلق حناجرها وتغرد بأصواتها الحلوة في صفاء هذا الكون النوراني، وتسبح بحمد خالقها ابتهاجاً بالربيع وجماله البديع.
وقد رأيت أن أعود بالذكرى إلى الماضي القريب، فقد اطلعت على رسالة جاء في أحد فصولها وصف لسيران جامع كان أبو خليل القباني الفنان الأشهر وكوكب الحفلة الساطع فيه، ولعمري من لم يسمع ويطرب بهذا الاسم العطر الخالد المحبب إلى كل قلب؟! فأيامه غرر مشرقة، ولياليه زاهرة نيرة، كلها أفراح وأعراس أينما حل، فسقى الله عهداً نعم فيه وادي بردى ورياض دمر وغوطة دمشق بمحيا ذلك الفنان البارع، وتبركت بطاحها بخطوات هذا العبقري فأينعت، واستنشقت أرضه عبير أنفاسه فكانت طلًّا وندى، عبق بها أريج فنه فأحياها إلى يوم يبعثون.
ففي سنة 1314 هجرية ـ 1896 ميلادية أقام الوجيه المعروف المرحوم سليم السيوفي الدمشقي بمناسبة فصل الربيع حفلة في ربوع دمر صباحاً، ثم الوجيه المرحوم أديب بن بكري العطار في بستان ابن شرف عصراً حفلة كانت في روعة تجليها وعناصرها مضرب المثل، فقد ضمت نخبة ممتازة من العظماء والأعيان وأفراد الأسر العريقة الذين كانوا يتبارون بإقامة حفلات الربيع في كل يوم، ويتسابقون للتمتع بفنون القباني الخالدة، ومتى علمت أيها القارئ أن الفرقة الموسيقية مؤلفة من أقوى المنشدين والفنانين في عهده أدركت عظمة القباني في ميدان الفن، وهذه بعض أسماء فرقته الذين انتقلوا جميعهم إلى الملأ الأعلى، ولم أستطع الوقوف على أسماء باقي الفنانين الذين يزيدون على خمسين فناناً ومطرباً، توزعوا باختصاصهم كما يلي:
منشدون: رشيد عرفة، أحمد الحلو، عبد الله أبو حرب، أحمد النجار، محمود الإمام، محسن الجدا، أمين الأصيل، محمود النشواتي، الشيخ عبده المغربي.
عازفون: أحمد السفرجلاني: عود، محمود الكحال: قانون، ديب خوش مي: كمان.
ملحنون: عمر الجراح: عود، إبراهيم الجراح: قانون، حمزة الجراح: قانون، محمود الجراح: كمان.
فرقة السماح: صالح الصيرفي، إبراهيم الغلاييني، أحمد العمري، أحمد الشيخ، برئاسة صالح البوشي.
ضابط الإيقاع:محمود الحفني، راغب الصيداوي، أبو عبده الحلبي.
نقارات: صالح غزال.
وقد أنشد أبو خليل القباني رحمه الله في هذين الحفلين موشحه الخالد (الغصن إذا رآك مقبلًا سجدا).
فعارض أحد الشعراء هذا الموشح فقال:
عيني نظرت لنحو شاطئ بردى | ظبياً نظم الحسن بفيه بردا |
يا من بصدوده رماني بردى | لو يسمح لي لهيب قلبي بردا |
فانظروا إلى هذا المعنى البديع بكلمة (بردى).
ثم أنشد أبو خليل هذا الموشح الرائع الذي هو من نظمه وألحانه، واندرس بموت حفاظه، (وقد لقنته للفنان المطرب السيد نجيب السراج بلحنه الأصلي إحياءاً وتخليداً لذكرى ناظمه وملحنه العبقري)، وهو:
الثغر لاح قد سبى المفتونا | لما أبان اللؤلؤ المكنونا |
ولقد سقاني من لماه الحالي | شهداً شهيًّا يطرب المحزونا |
دور
وافى بقد عادل مياس | يجلو الحميا في لجين الكاس |
رشيد قلب الصب للعباسي | أضحى أمين الحسن والمأمونا |
مذ قال لا لا قلت للنحاة | حكم بنفي النفي للإثبات |
جد للمعنى يا حياة الذات | بالرشف كي يشفى به المحزونا |
دور
مذ أطلع الريحان بين الند | في روضة الوجنات حول الخد |
طلبت وصلًا هز رمح القد | واللحظ أبدى سيفه المسنونا |
ثم دارت حلقات رقص السماح، فتخيل أيها القارئ روعة المنظر وأصوات المنشدين الرخيمة الساحرة وعزف آلات الطرب ضمن الإيقاع والانسجام الفنيوالتجلي الذي استلب عقول السامعين، وهم يسبحون في نشوة سحرية في عالم الخيال.
إن الدهر لضنين بأن يخلف مثلك يا أبا خليل، جعل الله مثواك الجنان خالداً فيها كما كنت في جنات الدنيا عندليباً مغرداً تسبح بحمد ربك، وبلسماً للأفئدة المكلومة، ورمزاً خالداً للغناء والفنانين.
* * *