جاري التحميل

الخوري أرسانيوس الفاخوري

الأعلام

الخوري أرسانيوس الفاخوري([1])

(1800 ـ 1883م)

مولده ونشأته: هو الخوري أرسانيوس بن يوسف بن إبراهيم الفاخوري، ولد هذا الشاعر سنة 1800م في قرية بعبدا، واسمه الحقيقي (فارس) عرف به إلى زمن كهنوته، ولقب جده بالفاخوري لأنه ضمن فواخيرها مدة، تلقى العلم في المدرسة الرومية، ثم في مدرسة مار انطونيوس المشهورة (بعين ورقا)، وهي أشهر مدارس لبنان، يتوارد إليها أولاد الشيوخ والأعيان من كل أنحاء لبنان.

تلقى فارس ـ أو الخوري أرسانيوس ـ العلوم العربية بفروعها واللغات الإيطالية واللاتينية والسريانية والمنطق والفلسفة واللاهوت النظري والأدبي والشريعة المدنية، ونبغ بجميعها حتى أصبح ممن يشار إليهم بالبنان في عصره، وكان عليماً بأخبار العرب وشعرائهم وأمثالهم، فجادت بذلك قريحته، وأخذ ينظم الشعر الجيد، ثم انتدب سنة 1824م للتعليم في مدرسة عين ورقا، ومن تلامذته غبطة البطريرك بولس مسعد.

في خدمة الكهنوت: واتصل خبره بالبطريرك يوسف حبيش، فاستدعاه إلى كرسي البطريركية في بكركي، ورقاه إلى رتبة الكهنوت سنة 1826م، ودعاه باسم (أرسانيوس)، وكان بتولًا للانتفاع بمواهبه، واتخذه كاتباً لأسراره في بكركي، فأقام ثلاث سنوات، ثم اتخذه القاصد الرسولي كاتباً وترجماناً لتضلعه باللغتين العربية واللاتينية، وتولى تدريس هاتين اللغتين في مدرسة مار عبدا فأجاد في الإلقاء والتثقيف، وتخرج على يديه طلاب اشتهروا في زمانهم بمعرفة اللغات والآداب.

في خدمة القضاء: وفي سنة 1838م توفي قاضي نصارى لبنان، فلم يجد الأمير بشير الشهابي الكبير رجلًا أحق بهذه الرتبة من الخوري أرسانيوس لما بلغه من علمه وفضله، فقلده القضاء، واستمر في عمله بكل عدل وحق لا يحابي أحداً حتى شاع فضله، وكان الدروز والمسلمون فضلًا عن النصارى يتحاكمون إليه ويرضون بما قضى لما يعلمون من استقامته ونزاهته، وبقي ثلاث سنين في منصب القضاء إلى آخر عهد الأمير بشير سنة 1842م، واعتزل القضاء بعد ابتعاد الأمير بشير الشهابي عن الحكم وسفره إلى الأستانة، فألح عليه الأمير حيدر اللمعي واستبقاه في منصبه، واختاره الوزير أسعد باشا ليكون عضواً في مجلس المسلوبات في بيروت في دعوى النصارى والدروز سنة 1842م، ثم عاد إلى أعمال القضاء واستمر في أعبائها مدة أربع عشرة سنة إلى أن صرف من رتبته في عام 1856م بسبب مرض في عينيه، فلزم بيته وتفرغ للتأليف والتصنيف، وكان الناس يقصدونه في حل مشاكلهم وفصل منازعاتهم، واستمر في داره سنين طويلة ينظم القوافي وينسج النثر لا تأخذه سآمة ولا ملل حتى اشتد عليه مرض البصر وأصبح ضريراً، وصبر على بليته صبراً جميلاً، وكان يملي منظومه ومنثوره على من يكتبهما له، فكانت قصائده بديهية شبيهة بالارتجال، ومع فقد بصره فإنه لم ينقطع عن إلقاء الوعظ للشعب، وكان واعظاً بليغاً وخطيباً مثقفاً.

مؤلفاته: له تآليف كثيرة منها:1 ـ شرح ديوان المطران جرمانوس فرحات. 2 ـ كتاب كفاية الطلاب في التصريف والإعراب. 3 ـ شرح ديوان المتنبي،وهذه مؤلفات لم تطبع. 4 ـ روض الجنان في المعاني والبيان. 5 ـ كتاب الميزان الذهبي في الشعر العربي. 6 ـ كتاب زهر الربيع في فن البديع، وقد طبعت.

وبديعيات شعرية ومجموعة مواعظ مختلفة.

شعره: كان المترجم كثير النظم، جيد القريحة، غزير المادة، ينشد الشعر عفواً دون تصنع، وديوان شعره ينوف على 440 صفحة، فيه القصائد الحسنة ذات المعاني المبتكرة والمواضيع الشريفة، ولعل شعراء هذا العصر يجدون في هذا النظم الغث والسمين، لكن ذلك لا يبخس من قدر صاحبه لما ابتلي به من ضعف البصر، ولكثرة ما باشر من الأشغال المتباينة، ومن بديع شعره قصيدة وصف بها جبل لبنان سنة 1854م، نقتطف منها هذه الأبيات:

سقاك لبنان رب الكون أضعافا

صوب الحيا عم أجراما وأكنافا

لا زال طورك فوق النجم مرتفعا

يقيم فوق الثريا منه أظلافا

لله من مربع راقت خمائله

فاقت بذلك أغصاناً وألفافا

بالحسن متصف بالظرف مؤتلف

باللطف ملتحف قد فاق أوصافا

حكى جناناً بأنهار مدفقة

يخالها قرقفاً من كان مهتافاً

وقد غدا نزهة المشتاق منظره

إذ عمه الحسن أوساطاً وأطرافاً

فالرأس في بلج والسفح في بهج

والذيل في وهج قد ضم أسجافا

وفاته: لقد دام مرضه نحو سبع عشرة سنة، ثم طعن في الشيخوخة فعانى مشاقها وقاسى أتعابها بصبر وجلد، وفي 27 تشرين الأول 1883م وافاه الأجل، ودفن في كنيسة مار ميخائيل.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/322 ـ 323).

الأعلام