جاري التحميل

أسعد عبد الله حداد

الأعلام

أسعد عبد الله حداد([1])

المحسان الخالد المرحوم أسعد عبد الله حداد الحمصي

مولده ونشأته: ولد العصامي الفقيد في حمص في اليوم السادس والعشرين من شهر آذار سنة 1870م من أبوين كريمين هما عبد الله حداد وزهرة سالم، تعلم مبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب الأهلية في بيئة ضيقة، كان رحمه الله ذكيًّا بعيد النظر، تجلت مواهبه في الفن المعماري، ولو أتاحت له الظروف اكتساب العلوم ودراسة الهندسة المعمارية لبذ النابغين، زاول مهنة البناء في حياته.

هجرته: هاجر إلى البرازيل ليخط له القدر مراحل خلوده، فكان من الرعيل الأول في المغتربين، فوصل سان باولو في 15 كانون الأول سنة 1895م يحدوه الأمل والأماني بعد أن سمع بعظمة البرازيل والثراء العاجل في ميدان التجارة، ونزل العصامي الجبار إلى حقل التجارة يزاول أعمالها البدائية، فكان بجده وكده وطموحه وشرف أخلاقه في حيويته مضرب الأمثال، فبسم الدهر لأسعد، فكان سعيداً موفقاً في أعماله، ومرسلًا كريماً ليؤدي رسالة الإحسان والرحمة للبائسين.

وطنيته: ورأى بثاقب بصيرته أن يستثمر مواهبه في أعمال البناء وهو الخبير بأسرارها، فاشترى الأراضي وجنى الأرباح وتضاعفت ثروته، وفي سنة 1912م ابتاع في حي (ناتوايه) في ضواحي سان باولو قطعة أرض بلغت مساحتها مليون متر مربع، وكانت قفراً مواتاً، فأحياها وأشاد عليها البيوت، وأصبحت حيًّا جديداً امتاز بحسن تنسيق شوارعه، فكان أول ما فكر به هو وطنه العزيز، إذ أطلق على الطريق الرئيسي في هذا الحي الذي أصبح آهلاً بالسكان اسم شارع (سوريا).

أسرة الفقيد: وشاءت العناية الإلهية أن تزيد حياته سناء وبهاء، فوصلت إلى سان باولو آنسة تحلت بالأخلاق الفاضلة والجمال الغساني والكمال المثالي، وهي كرجية بنت المرحومين إبراهيم حداد ومريم صباغ، فحل بتاريخ 25 كانون الأول زفاف الثريا للكوكب الدري، وسعدا بقران ميمون مبارك، وأنجبا السادة الأفاضل والكرائم النبيلات:

السيدة نبيهة: وهي رئيسة جمعية السيدات الخيرية للمصح السوري، لها مكانة ثقافية راقية في الأوساط الاجتماعية، فقد تلقت علومها العالية في جامعة مانشستر بإنكلترا، وساهمت بجهود مشكورة في سبيل الإنسانية، وقد اقترنت بالسيد اسطفان الشحفة، وهو من مواليد حمص سنة 1892م، وأنجبت ولداً اسمه (سيرجيو) وعمره 22 سنة وكريمتين.

السيد نبيه: وقد نال الشهادة العالية من جامعة مانشستر بإنكلترا، واقترن بالآنسة فيكتوريا بنت عبد الله شاهين.

السيد وجيه: ودراسته كشقيقه، وقرينته هي (لينا بنت عبد الله الشويري).

السيدة وجيهة: وقد نالت الشهادة الجامعية العالية أيضاً، وهي قرينة السيد ميكال الأبرص الابن.

السيدة ملفينا: وقد اقترنت بالدكتور فرح دعبوس.

السيدة جوزفينا: وقد اقترنت بالوجيه اللبناني الثري السيد إلياس جبرا.

الدكتورة روزينا: وقد اقترنت بالدكتور جوزة جوان عبد الله النائب الاتحادي وناظر الأعمال والصناعة والتجارة في حكومة سان باولو.

السيدة هيلانة: وهي قرينة السيد إدواردو حداد.

الدكتور آرنستور: وقد اقترن بالآنسة ايديت محفوظ عبد الله.

السيدة أوديتي: وهي قرينة السيد إبراهيم زرزور.

وقد تلألأ منزل الفقيد بنجوم وأقمار، فقرت الأعين برؤية واحد وعشرين حفيداً وثلاثة من أبناء أحفاده.

رئاسة الأخوية الأرثوذكسية: بويع المحسان الخالد برئاسة الأخوية الأرثوذكسية، فاستمر فيها حتى وفاته مدة تنيف عن العشر سنين، والتف حوله نخبة كريمة من ذوي الوجاهة والأريحية فأسسوا أخوية الرسول بولس الأرثوذكسية، حيث أخذت على عاتقها تشييد كاتدرائية كبرى في سان باولو تليق برفعة الجالية وسؤددها ومكانتها المعنوية والأدبية والمادية، وتبرع الفقيد العظيم بألفي كونت، وتساوي مبلغ مئتي ألف ليرة سورية.

وتبرع للمصح السوري بمبالغ كبيرة، وأشاد بنايته في الميتم السوري، بلغت نفقاتها مليوناً ومئتي ألف كروزيرو، وتساوي مئة وعشرين ألف ليرة سورية، وتبرع للنادي الحمصي بمئة كونت لشراء بنايته، وتساوي عشرة آلاف ليرة سورية، وقدم مكتبه وخزائن ومناضد ومقاعد، وكان رئيسه الشرفي مدى حياته.

وتبرع للنادي الرياضي السوري، وله في تشييده مآثر لامعة.

زعامة الجالية السورية: ورأت الجالية السورية في شخصية الفقيد غايتها المنشودة وركنها العظيم، فولته زعامتها تقديراً لمناقبه ومآثره.

وكان يتعهد المعاهد البرازيلية بمبراته وهباته، وينظر إليها بعين الإخلاص والوفاء باعتبار أن البرازيل الوطن الثاني للمغتربين، وأهدى وزراة الطيران في سنة 1942م طائرة أطلق عليها اسم (خريستوفرس كولمبوس).

وفاته: كفى بالموت واعظاً وعبرة للعباد، وفي اليوم الواحد والعشرين من شهر نيسان سنة 1950م ارتقت روح هذا المحسان إلى السماء لتنعم بالخلود، وكان يوم الدفن يوماً مشهوداً، وألحد الثرى في مقبرة (كونسولاسون)، وأفاض الشعراء والخطباء بذكر مناقبه الفذة، وهذه دمعة فصيحة بليغة صاغتها قريحة شاعر حمص الأكبر الأستاذ نصر سمعان:

فيم التفجع والبكاء

ما دام ذكرك للبقاء

رفعت يمينك للخلود

وللعلى أغلى بناء

تلك المآثر قد فتحـ

ـت بهن أبواب السماء

من كل من أفنى العصو

ر وكل ما أهيا الغناء

اليوم يومك يا مجيـ

ـر البائسين من الشقاء

قم تلق أدمعهم تسحْـ

ـحُ دماً وتنطق بالرثاء

من عاش مثلك للصلا

ح بموته نوم الهناء

قد كنت أبعد ما تكو

ن عن التزلف والرياء

كم بائس فقد الرجا

ء وهبته نور الرجاء

طوباك أنك نلت من

آلاء ربك ما تشاء

ووفيت بالإحسان عنـ

ـك فكنت عنوان الوفاء

اليوم يجزيك الإلـ

ـه على الندى خير الجزاء

ويعم أرجاء النعيـ

ـم أريج روحك والضياء

وتقول أجناء العلى

هذا أبو الحسنات جاء

فله الهناء هنا وفي

الدنيا لأمته العزاء

أوسمة الفقيد: يحمل رحمة الله رتبة الكوماندارور، وقد علق على صدره وهو مسجى في نفسه وسام القبر المقدس ووسام الحكومة السورية الرفيع، وانهالت على أسرة الفقيد تعازي الأمراء والعظماء، وكتب الشاعر المجيد الأستاذ الشيخ رشيد عطية يذيل نعيه:

أيها الراحل الكريم السجايا

لك في المكرمات ذكر مؤبد

عشت في هذه الحياة سعيداً

وستبقى في دار ربك أسعد

السيدة كرجيه حداد: مهما وصفت الفقيد بالمحسان الخالد، فإن عقيلته هي أم المحسنين، وقد وهبت نفسها للفضائل والمبرات، وكانت مصدر وحيه وإلهامه بالأريحية والكرم، تلهب حماسه وشعوره، ولها مواقف مشهورة في هذا الميدان.

لقد ازدان جيد أم المحسنين بوسام القبر المقدس الذهبي، أنعم عليها به غبطة البطريرك ألكسندروس مكرماً بهذا الإنعام أسمى ما تمثله المرأة كزوج وأم وسيدة مجتمع، ومن مبراتها الخيرية تبرعها بمئة كونت، وتعادل مبلغ ستة آلاف ليرة سورية إلى الميتم السوري في سان باولو، وتبرعت إلى الجمعيات الخيرية بمئتي كونت، وتعادل مبلغ (12) ألف ليرة سورية، وتبرعت بثلاثين ألف ليرة سورية لمشروع الساعة والساحة بحمص، وتبرعت بمبلغ مئة وخمسين ألف ليرة سورية لتشييد دار القبالة في الجامعة السورية بدمشق، وقد كرمها الوطن فأطلق أجمل شوراع دمشق وحمص باسمي أسعد عبد الله وكرجيه حداد، وسمى باسمه مدرسة ثانوية بدمشق تخليداً لذكرى المحسان الفقيد.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/97 ـ 99).

الأعلام