أميرة نور الدين
أميرة نور الدين([1])
(1925م)
مولدها ونشأتها: هي الآنسة أميرة بنت نور الدين بن داود، وأصل الأسرة من الموصل، كان أبوها حضر إلى بغداد في أواخر العهد التركي لطلب العلم، ولدت في بغداد سنة 1925م، ودرست الابتدائية والمتوسطة والثانوية في بغداد، وبدأت تميل نحو الاتجاه الأدبي، فاختارت دراستها في كلية الآداب في جامعة القاهرة في قسم اللغة العربية، وقد التحقت في الجامعة سنة 1943م، وتخرجت سنة 1947م، وتستعد الآن لنيل شهادة الدكتوراه في القاهرة.
وقد قامت بتدريس اللغة العربية في المدارس الثانوية ببغداد مدة سبع سنوات.
أدبها: لقد شجعها أبوها على نظم الشعر، وزوَّدها من الشعر العربي القديم، وقرأت دواوين الشاعر المصري المرحوم علي الجارم. ودرست العروض قبل أن تلتحق بالجامعة لشدة ميلها إلى النظم، ودرست اللغة الإنكليزية، وهي تجيد اللغة التركية والفارسية، وهذا ما ساعدها على ترجمة درر من شعر الشاعر الإسلامي الشهير إقبال عن الفارسية منشورة في مجموعة مطبوعة تولت السفارة الباكستانية في بغداد طبعها على نفقتها.
حزنها: وشاءت الأقدار أن تفجعها بوالدها في شهر كانون الثاني سنة 1955م وهي في القاهرة، فحزنت عليه، وجادت قريحتها بمناسبة مرور الأربعين على وفاته، فقالت ترثيه بقصيدة عنوانها (أبي) نقتطف منها هذه الأبيات :
أبي صدفت عن الدنيا على عجل | أبي حنانيك قد حطمت لي أملي |
أبي بعادك في الدنيا يؤرقني | فكيف بي إذ تباعدنا إلى الأزل |
أبي نعيك أذكى النار في كبدي | وقرح الدمع في تهتانه مقلي |
طوى العراق إلى مصر يبلغني | نعيك البرق ليلًا دونما مهل |
فكدت أقضي بكاء غير سالية | وكيف أسلوك في خطب كذا جلل |
ومنها:
أبي فديتك نفسي والنفيس معاً | لو كان يؤخذ عند الموت بالبدل |
أو كان يغسل ميت بالدموع إذن | جعلت ماء شؤوني خير مغتسل |
أو كان يدفن ميت في القلوب إذن | جعلت مثواك قلبي دون منتقل |
وهذه الشاعرة التي عارضت بردة البوصيري الفذة ورثت علي الجارم الشاعر المصري الذي تأثرت بأدبه، ومدحت جلالة الملك فيصل، وكانت تنظم الشعر وهي في معقد الدراسة، وفي ذلك من الكد ما يدل على عبقرية هذه الشاعرة وقريحتها الجبارة، وهذه قصيدة مؤثرة تبكي والدها بمناسبة مرور عام على وفاته:
عامٌ وما العام في الذكرى أينسيني؟ | عامٌ وما العام عن همٍّ يسليني |
عامٌ وفي القلب نيران مؤججةٌ | من لوعة البين لا تنفكُّ تكويني |
عامٌ ولي مقلة قرحى مؤرقةٌ | فيا لقلبي ويا لله من عيني |
* * *
عامٌ برتني به الأشواق عاصفة | إليك في الصدر من حين إلى حين |
أرجو لقاءك والأقدار ساخرة | تنئيك عني على رغم وتنئيني |
أبي فراقك يشقيني ويؤلمني | وبعد مثواك عن مغناك يضنيني |
كم كنت أدعوك في أمسي فتسمعني | وأستجيب ببشر إذ تناديني |
واليوم أدعوك في سري وفي علني | فلا مجيب سوى صوت يواسيني |
* * *
وقد استراحت الشاعرة من عناء الدراسة فعادت إلى العراق، وأتاحت لها الخلوة في مصيف سرسنك أن تتغنى بمناظر الطبيعة، ولما فارقت ربوعه الخلابة ودعته بقصيدة ستظل أصداؤها في الأسماع والقلوب المرهفة بالإحساس والأماني:
قف حي سرسنك إن البين قد أزفا | أما ترى القلب أمسى مغرماً دنفاً؟! |
قد شفه الحسنُ في سرسنك مزدهراً | ولاعج العشق في أحشائه عصفا |
سلوت بغداد في سرسنك راغبة | عنها كذي الحب عن أحبابه عزفا |
هجرتها ليس لي في ربعها وطرٌ | مضى بي الشوق عن بغداد وانصرفا |
* * *
أقسمت بالحب يا سرسنك صادقة | أنت الهوى في حنايا القلب حين هفا |
حييت سرسنك عن حب وعن شغفٍ | ذكراك في القلب إن غنى وإن هتفا |
* * *
ويجد القارئ في قصيدتها (خطرات دجلة) ـ وهي من وحي نزهة في نهر دجلة بزورق حالم في أحد أمسيات صيفه المقمرة ـ أنها قد أبدعت في الوصف بأسلوب رائع متين، فعلا كعبها في ميدان الأدب، وحق لها أن تقلب بشاعرة الطبيعة:
الماسُ فوق لجينها يتكسر | والبدر في كبد السماء منورُ |
يا بوركت خطرات دجلة كلما | حل المصيف وحل ليلٌ مقمر |
* * *
يا حبذا المجذاف يسبح في السنا | والزورق النشوان إذ يتبختر |
والموج يرقص للنائم كلما | همست تطارحه الغرام وتخطرُ |
وذرى النخيل موائل فكأنها | تصغي لنجوى العاشقين وتنظر |
والرملُ يشكو للمياه وساوساً | ويبوحُ بالسر الذي هو يضمر |
* * *
ماذا أفي الأحلام نحن وحولنا | بحر من الأوهام قد يتغيرُ؟! |
أم نحن في دنيا الحقيقة قد غفا | عنا الزمانُ فليس ثم معكرُ؟! |
بل أين نحنُ من الزمان؟ أعصرنا | هذا، خلت من قبل تترى أعصر؟! |
أم نحن في بغداد وهي فتيةٌ | هارون فوق عروشها أو جعفرُ؟! |
* * *
ولما قام المؤلف برحلته إلى العراق بشهر شباط سنة 1956م أسعده الحظ وتعرف على الشاعرة المبدعة، فهي على جانب عظيم من الأخلاق الفاضلة والحشمة والرزانة.
وحق لهذه الشاعرة التي سخت عليها الطبيعة بالعبقرية والمكانة البارزة في المجتمع الأدبي العربي أن تكون مثالاً يقتدى، وهي الأستاذة المسؤولة عن توجيه النشء من بنات جنسها إلى المثل العليا.
* * *