جاري التحميل

أمين الصيرفي

الأعلام

أمين الصيرفي([1])

الفنان الألمعي المرحوم أمين الصيرفي

هو المرحوم أمين بن أديب الصيرفي، ولد بحي البياضة بحلب سنة 1857م، امتهن منذ صغره حياكة الحرير، ولما ظهر جمال صوته وذكائه رغب إليه والده أن يحفظ القرآن الكريم، فحفظه غيباً، فكان مرتلاً ومجوداً مجيداً، درس على العالم الشيخ محمد الزرقا الكبير قواعد النحو والصرف، فكان إذا قرأ أو أنشد بعيداً عن اللحن في اللغة العربية.

فنه: تعلق المترجم بالفن الموسيقي، ولازم في مبدأ حياته الفنية أشهر فناني حلب، منهم أحمد عقيل والحاج أحمد الشعار رحمهما الله، وأخذ عنهما الموشحات والأوزان فحفظها بإتقان، وتلقى من الأجواق المصرية التي كانت تشتغل في مسارح حلب الأدوار والموشحات والقصائد المصرية، ولما كانت قابليته الفنية لا تقف عند حد سافر إلى مصر ومكث فيها مدة سنة انقطع خلالها لملازمة أهل الفن، فارتشف من فنونهم ما طاب له، وعاد إلى حلب وترأس فرقة موسيقية اشتغلت في مسرح الكتاب بباب الفرج بحلب، وكان من المطربين البارزين، يدعى إلى حفلات العظماء والأعيان فيطربهم وينال منهم أجراً كبيراً.

احتجاج العلماء عليه: ولما كان المترجم رحمه الله يرتدي اللباس الديني ويعتم بالعمة البيضاء فقد احتج العلماء لظهوره في المسارح بزيِّه الديني، واضطر لنزع العمة ولبس الطربوش فهدأت العاصفة، وأخذ عن الفنان الحلبي الشيخ صالح الجذبة ما ينقصه من موشحات وأوزان، وكان يلح عليه بتعلم رقص السماح، فيتهرب منه بظرافة ويداعبه بقوله: (أما كفاني احتجاج العلماء حتى نزعت العمامة قهراً عني وتريد الآن أن أتعلَّم رقص السماح لتجعلني مهزلة أمام المتفرجين، فأنا طويل القامة، أسود اللون، أنكش الوجه بالجدري، وأحول العين اليمنى ـ وقد صدق بوصف نفسه ـ فهذه الأوصاف توحي للناظرين إليَّ بالاشمئزاز إذا كنت بين راقصين فاتنين، فأعفني يا أستاذ فرقصُ السماح له أهله).

مصيره في الحرب العالمية الأولى: ولما وقعت الحرب العالمية الأولى توسط له شيخ المولوية الكبير باقر جلبي وكان معجباً بصوته وفنونه لدى جمال باشا الكبير فعينه مؤذناً وإماماً في جامع الثكنة الكبيرة بحلب، وكان كبار الضباط يتهادونه ويحيون الليالي للاستمتاع إلى صوته الرخيم وأسلوبه الفني الرائع، وكانوا يرون وجوده بالقرب منهم بلسماً لأفئدتهم وعزاء لأنفسهم في غربتهم، ويلقى منهم الإعجاب والإكرام.

وفاته: وأصيب المرحوم الفقيد بفتق كبير في صرته، فقام نافع بك السباعي رئيس أطباء المستشفى الوطني بإجراء عملية جراحية خطرة له توفي على إثرها في سنة 1917م، وكانت الإصابات المرضية والوفيات كثيرة بين الجنود، فنقل مع الموتى من المستشفى العسكري إلى مدفن الرمضانية قبل أن يتفقده أحد، وفي صباح اليوم الثاني لإجراء العملية الجراحية حضر صديقه الأستاذ عبد الوهاب سيفي وابن شقيقته لزيارته والاطمئنان عن صحته، فعلما بوفاته ونقله إلى مدفن الرمضانية، فذهبا فوراً وفتشا عليه بين الأموات، وبعد جهد وجدا جثته مع الموتى من الجنود مرمية في ساحة المدفن الواسعة دون دفن بحالة تقشعر لها الأبدان، فنقلا الجثة إلى بيته ودفن في تربة الجبيلية. وأعقب ولدين.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/321 ـ 322).

الأعلام