جاري التحميل

أنطون الجميل

الأعلام

أنطون الجميل([1])

أنطون الجميل باشا

(1887 ـ 1948م)

مولده ونشأته: ولد أنطون الجميل في مدينة بيروت سنة 1887م ودرس في مدرسة الآباء اليسوعيين، وشهرة أساتذتها في العلم بأصول اللغة العربية وفنونها لا تحتاج إلى تنويه وإطناب، وتلقى اللغة الفرنسية من مصادرها الأصلية، وبعد أن تخرج منها اختير مدرساً فيها، حيث درس مدة من الزمن تعليم الأدب العربي، وفي نفس الوقت امتدت جهوده الأدبية إلى الصحافة حيث كتب في جريدة البشير التي كان يصدرها الآباء اليسوعيون أصدقاؤه وأساتذته.

وفي سنة 1906م نشر كتاباً صغيراً عنوانه (البحر المتوسط والتمدن)، تحدث فيه عن المدنيات العريقة التي جنت ثمارها بلاد البحر الأبيض.

هجرته إلى مصر: وبعد صدور هذا الكتاب بسنة واحدة هاجر المترجم إلى وطنه الثاني مصر، وبعد هجرته حدث الانقلاب العثماني، وعلى أنقاض النظام البائد قام النظام الدستوري في الدولة العثمانية، وفي تلك السنة نشر كتاباً عنوانه (أبطال الحرية)، روى فيه قصة الانقلاب وسرد أطرافاً من سير أقطابه، واستعرض النواحي الخفية المستمدة من مراحل جهادهم في سبيل إقامة النظام الجديد.

وكانت دار الأهرام في ذلك الحين تصدر جريدة فرنسية اسمها (البيراميد)؛ أي: الأهرام، فانضم أنطون إلى هيئة تحريرها، ثم نشر قصة تمثيلية عنوانها (وفاء السموءل)، وكان قد كتب هذه المسرحية في لبنان واشترك في تمثيلها هناك، ثم عـاد فاشـترك فـي تمثيلها فـي مصـر أيضـاً مع نخبة من شباب الأدباء السوريين واللبنانيين.

وبعد حين أصدر مجلة أدبية اسمها (الزهور) بالاشتراك مع صديقه الأستاذ أمين تقي الدين، وكانت من خير ما عرفته الصحافة الأدبية في العالم العربي، وظل يصدرها بانتظام مرة كل شهر حتى جاءت الحرب العالمية الأولى وتعذر الحصول على الورق، فلم يجد بدًّا من الكف عن إصدارها.

في خدمة الدولة: التحق المترجم بخدمة الحكومة المصرية كمترجم في وزارة المالية، وكان بعض الأدباء يروون عن براعته في الترجمة قصصاً تشبه الخيال.

ونشر قبل دخوله في خدمة الحكومة مجموعة من الشعر بعنوان (مختارات الزهور)، وهي منتخبات مما نشر في مجلته من شعر عدد من الشعراء في ذلك الكتاب، وحلاها بصور ناظميها من الشعراء مع تعريف موجز لكل منهم.

وظل يعمل في خدمة الحكومة إلى سنة 1932م حيث انتهى به الترقي إلى سكرتارية اللجنة المالية، وكان من أبرز مزاياه فيها صرامة الجد والمثابرة التي لا تنتهي إلى حد، مما جعله موضع ثقة جميع الوزراء الذين تعاقبوا على رياسة تلك اللجنة.

في تحرير الأهرام: وألح عليه جبرائيل تقلا باشا في تولي تحرير الأهرام كبرى صحف العالم العربي، حيث كان رئيس تحريرها في ذلك الحين داود بركات مرهقاً بضخامة عمله وفداحة عبئه، فقبل أنطون الانضمام إلى أسرة الأهرام، ولما توفي داود بركات وكان أقدر صحافي في البلاد تولى أنطون رياسة تحريرها، ومن ثم توثقت الصلات بينه وبين الدوائر السياسية والحكومية على اختلاف نزعاتها.

وكانت من أبرز صفاته في رئاسة تحرير الأهرام الدقة البالغة، ولم يلبث أن أصبح أمر الأهرام كله إليه، ولم يكن ذلك عن استئثار بالرأي أو استبداد بالإدارة، بل إنه كان مسرف النشاط، محبًّا للعمل، دائب الإقبال عليه.

كان هذا الرجل الضئيل يجلس إلى مكتبه وأمامه أكداس من الرسائل، وأكوام من المقالات والقصائد وقصاصات الأنباء وتقارير اللجان والجمعيات وغيرها، ومن حوله نفر غير قليل من أصدقائه وزواره، يتحدث إليهم ويجيب عن أسئلتهم ويبادلهم التحايا، وفي نفس الوقت يقرأ ويكتب ويتلقى الرسائل الهاتفية في مقدرة تفوق كل وصف، والواقع أن الحزم والحياد كانا من أوضح المقومات التي تفردت بها شخصية المترجم، فإنه على قربه من مجرى الحوادث، بل على كثرة ما خاض غمار المعترك السياسي في مصر قد احتفظ لنفسه ولصحيفته الكبرى بذلك الحياد الدقيق المخلص الذي حمل الأحزاب جميعها على أن تقف منه ومن جريدته موقف الاحترام والإكبار.

في مجلس الشيوخ: لقد عين عضواً في مجلس الشيوخ، واشترك في توجيه السياسة العليا للبلاد، ثم انتخب فيه مقرراً للجنة المالية، ثم عين عضواً في مجمع فؤاد الأول للغة العربية، فكان عضواً عاملاً نافعاً.

أما ناحيته الأدبية، فقد كانت مقالاته في الأهرام مزيجاً سائغاً من نضج الملكة الأدبية والوعي السياسي، ثم إن كتابه عن الشاعرين أحمد شوقي ومحمد حافظ إبراهيم يعد دراسة أدبية عالية.

وفاته: لقد قضى حياته عزباً لم يتزوج، وقيل: إنه كان متباخلاً، وهكذا رماه خصومه، وقد ذكر أحد أقربائه أنه خلف ثروة تتجاوز مئتي ألف جنيه، وفارق الحياة فجأة في يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر كانون الثاني سنة 1948م، ولم يهنأ في حياته بما جمعه من ثروة طائلة، ودفن في القاهرة.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/395 ـ 396).

الأعلام