جاري التحميل

أنور العطار

الأعلام

أنور العطار([1])

(1913م)

لقد اشتهرت أسرة العطار بما أنجبته من أعلام كانوا فرسان الزمن في ميادين العلم والأدب، ولد في (دمشق) سنة 1913م، وهو ابن السيد سعيد بن الشيخ أنيس العطار، تلقى علومه الابتدائية في (بعلبك)، وأتم دراسته الثانوية والعالية في (دمشق)، ويحمل شهادات الدراسة الثانوية ودار المعلمين وكلية الآداب في الجامعة السورية.

في خدمة العلم: عين مديراً لمدرسة (منين) الابتدائية من أعمال (دوما) سنة 1929م، ثم نقل إلى مدارس دمشق، وقد اشتهر بأساليب التعليم، فاستدعته وزارة المعارف العراقية لتدريس الأدب في معاهدها العالية سنة 1936م، كما حاضر في الأدب العربي، واختارته وزارة المعارف في دمشق بعد عودته من العراق سنة 1940م مدرساً للأدب العربي في ثانويات (حلب)، ثم في ثانويات (دمشق)، وتولى رئاسة ديوان الإنشاء في دائرتها المركزية، وهو ديوان جديد أنشئ لضبط اللغة وجعل ما يصدر عن وزارة المعارف سليماً قويًّا.

لقد شارك في تأسيس (المجمع الأدبي) في دمشق سنة 1934م، وكان له شرف الانتماء إليه والإسهام في لجنته الإدارية.

آثاره الأدبية: يعتبر المترجم من أبرز شعراء هذا العصر نشاطاً وإنتاجاً، وهو شاعر مرهف الحس، يصوغ قريضه من ذوب فكره، ويضمخه بنجيع قلبه، ثم ينشره بنفحة من عطره، وينثره بنفثة من سحره، وينشده بخفقة من قلبه، فيخلب به قدسية الألباب.

أصدر سنة 1948م: 

1 ـ ديوانه الأول (ظلام الأيام)، وترجم المستشرق الإنكليزي الكبير (آربري) بعض قصائده إلى الإنكليزية شـعراً فـي كتابـه (أزهـار الشعر) المطبوع في لندن. 2 ـ ديوانه الثاني (ربيع بلا أحبة).

ومن دواوينه المعدة للطبع: 3 ـ (وادي الأحلام). 4 ـ (البلبل المسحور). 5 ـ(البواكير)، وهو من أوائل شعره. 6 ـ (أشواق). 7 ـ (منعطف النهر). ونشر في مجلات (الزهراء) (والرسالة) التي كانت تصدر في القاهرة منذ سنة 1932م إلى احتجابها سنة 1953م، وفيضٌ من قصائده البليغة ومن هذه القصائد ما هو ترجمة شعرية لبعض القصائد المشهورة من الفرنسية.

كتبه النثرية: أما مؤلفاته النثرية فهي: 1 ـ الوصف والتزويق عند البحتري. 2 ـ أسرة الغزل في العصر الأموي، وله بعض الكتب المقررة رسميًّا من قبل وزارة المعارف السورية بالمشاركة مع بعض إخوانه منها: 3 ـ كتاب الزاد من الأدب العربي. 4 ـ(الخلاصة في الأدب والنصوص). 5 ـ (أغاني الديار) المشتمل على طائفة من المقطوعات الشعرية الغنائية بالاشتراك مع صديقه الشاعر السيد سليم الزركلي، ويقوم الآن بتحقيق ديوان (فتيان الشاغوري) بتكليف من المجمع العلمي العربي، وقد حقق إلى الآن صدراً صالحاً منه برغم الصعوبة التي تعترض سبيل تحقيق أمثاله من الدواوين التي فقدت مخطوطاتها إلا نسخة مفردة تضمها مكتبة (رامبور) في الهند لا تخلو من تحريف وتصحيف وخرم وبتر، وقد أتم دراسة وتحقيق الجزء الخامس من (الشوقيات) للمغفور له أمير الشعراء (أحمد شوقي)، وجمع فيه نحواً من ألفي بيت من شعر (شوقي) لم تنشر في الديوان.

وله دراسة كاملة لنثر (أحمد شوقي) وكتابه (أسواق الذهب) مذيلة بمجموعة من نثره الذي لم ينشر في كتاب، وله دراسة للشاعر السوري السيد (خير الدين الزركلي).

في خدمة العلم: يقوم الآن على إدارة ثانوية البنين الخامسة بدمشق، ويدرس الأدب العربي فيها، ويؤدي رسالته الثقافية الخالدة على أكمل وجه، ومن أفضل سجاياه أنه لم ينتم في حياته كلها إلى أي حزب أو جمعية سياسية، ويرجو أن يوفق إلى الانصراف إلى الحياة الفنية الخالصة وإلى الإنتاج والتأليف، ويميل إلى العزلة بطبعه، ويأنس إلى الطبيعة ويصغي إليها ويستلهمها شعره الوصفي الذي يرتضيه ويراه أجمل شعره، ويأمل أن يوفق إلى نقل الطبيعة الشامية إلى الشعر العربي نقلاً كاملاً شاملاً، ويسعده أن يرى الطبيعة مرة ثانية يصورها الشعر ويبرزها الفن.

مواهبه الأدبية: كتب الأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة الشهيرة عن الشاعر المترجم مقالاً بعنوان (نفحات من أدب دمشق) قال: سورية المنجبة التي ولدت أبا تمام والبحتري والمتنبي وأبا فراس وأبا العلاء لا تزال تلد الموهوبين من عباقرة الفن والفكر، لم تعقم بهم في أي زمن، ومن بينهم شاعرها غير مدافع أنور العطار، وأصدقاء (الرسالة) لا يزالون يجدون في ذاكرتهم حلاوة ما نعموا به من روائع أدبه طوال عشرين سنة.

وتمتعنا بما أنشده صاحب (ظلال الأيام) من شعر لم يقع في أذني مثله منذ استعز الله بشوقي، وأنا أعرف من نفسي أني بطيء التأثر بالشعر والغناء، فلا يهزني منهما إلا الرائع العالي الطبقة، فإذا طربت لما صور العطار من وجوه الأرضومجالي الطبيعة في قصائده الغر (الوادي) و(لبنان) و(دمشق) و(بردى) و(الخريف) و(المساء) و(الظهيرة) و(البنفسجة) فالفضل للشعر الذي يملك الشعور، وللشاعر الذي ينطق الحجر، وأدب العطار مثل صادق للأدب السوري الحديث، وأكثر الصفاتالبلاغية انطباقاً عليه الجزالة والسلامة والوضوح، فلم يخف خفة الأدب فـي مصـر، ولـم يمع معية الأدب في لبنان، وإنما ظل محافظاً كأهله يسفر ولا يغيم، ويجدد ولا يشتط، ويستقيم ولا ينحرف.

وهذه قصيدته الرائعة بعنوان دمشق نقتطف منها هذه الأبيات:

دمشق ائتلاق الربيع الجديد

وإشراقة الفجر لما ابتسم

وريحانة نديت بالهدى

وزنبقة رويت بالحكم

على مهدها رائعات النبوغ

وفي ساحها قبسات الهمم

وفي تربها المسك مسك الخلود

وفي جوها العطر عطر الشيم

تندت مسارحها بالسماح

وماجت أباطحها بالكرم

وما هي إلا كتاب البقاء

وما هي إلا سجل العظم

مطاف الجلال مراد الجمال

ملاذ العهود مقر الذمم

ملاعب حافلة بالمنى

مراتع طافحة بالنعم

فما يعرف القلب معنى الأسى

وما تدرك الروح طعم الألم

على كل قلب محب رباب

تغني، وفي كل ثغر نغم

ويصف بردى نهر دمشق الخالد بقصيدة تعتبر من روائع قوافيه، منها قوله:

بردى المشتهى يفكر شعرا

وهو يحيا لحناً وينساب عطرا

في حناياه أضلع تتناجى

وقلوب من حرقة الحب حرى

خبر العالمين جيلاً فجيلاً

ووعى الكائنات دهراً فدهرا

خط في مصحف الوجود سطوراً

باقيات تختال تيهاً وكبرا

معجبات أنقى من الفن لألا

ء وأبهى من سطعة العلم فكرا

يتلوى زهواً كراقصة الحا

ن تنزَّى وجداً وتقطر خمراً

مر في الأرض كالربيع ائتلافاً

وكأيامه صفاء وبشراً

وكسا جلَّق الأنيقة ثوباً

عبقريًّا من نعمة الفجر أطرى

أيهذا النهر الحبيب إلى نفـ

ـسي ويا ملهمي إذا قلت شعرا

عش بقلبي لحناً على الدهر حلوا

واسر في خاطري فتوناً وسحرا

أما نفحاته بوصف مرابع دمر منتزه دمشق فقد حلق في سماء الخيال وأبدع فيها، ومنها قوله:

كل شيء يحيا بدمر فالسفـ

ـح يغنِّي والدوح يندى ويعبق

والنسيم الحبيب ينفح بالعطـ

ـر وينشي كالبابلي المعتَّق

والأزاهير في الدروب تهادى

بين ورد نضر وفل وزنبق

هو ذا الياسمين مد على الصخـ

ـر شباكاً من نوره وتسلق

تتغنى الحقول سكرى من العطـ

ـر ومن سجعة الحمام المطوق

بلبل في غصونه يتشكى

ونهير بدمعه يترقرق

ونهير من زهوه يتثنى

ناعماً كالربيع إن هو أورق

لفه الروض حين طوق فيه

فهو الروض مرفق فوق مرفق

والمساء الجميل شعر بهي

دغدغته قيثارة تتشوق

لونته الغيوم فهو كتاب

عبقري الرسول حلو مزوق

والحقول اللطاف تندى من البشـ

ـر ويسري بها الشراب المروق

نهل الدوح من نداها فغنى

وانتشى النهر من شذاها فصفق

وعلى كل تلعة رف كوخ

وعلى كل ربوة لاح جوسق

يتمتع الشاعر العبقري المترجم بمكانة لائقة في العالم العربي، وقد قدرت الحكومة العراقية جهوده وأدبه فمنحته لقب (مواطن شرف) في حزيران 1956م، وذلك حين زار العراق على رأس بعثة ثقافية، تقديراً لأدبه ونبوغه، واعترافاً بما له من يد على شباب العراق في تدريسهم الأدب العربي، وقلده جلالة الملك الحسين ابن طلال ملك المملكة الهاشمية الأردنية وسام (الكوكب الأردني) في آذار سنة 1955م، وذلك حين زار الأردن على رأس وفد ثقافي، تقديراً لأدبه وشعره.

وقام برحلة إلى وادي النيل في مطلع عام 1957م على رأس وفد ثقافي، وتشرف بمقابلة ناصر العرب سيادة جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية المصرية، وأخذت لهما صور تذكارية تاريخية.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 153 ـ 155).

الأعلام