بدري فركوح
بدري فركوح([1])
الشاعر الرقيق المبدع المرحوم بدري فركوح الحمصي
ولد المرحوم بدري بن سليم فركوح في حمص سنة 1902م، وأسرة فركوح تتمتع بمركز اجتماعي رفيع في المجتمع، فهي قديمة ذات وجاهة وقدر، أنجبت تجار أثرياء، وحكام ونواب وشعراء، ولها زعامة الطائفة الأرثوذكسية كابراً عن كابر، ولا مجال للظن بأن هذا الشاعر قد هاجر إلى أمريكا الشمالية بدافع الحاجة، بل ثبت أن فريقاً هاجر بسائق الغيرة والطموح، وقد تتبعت أخبار الشاعر المترجم فوجدت أقرب الناس إليه يجهلون مراحل حياته في غربته، فعدت إلى أعداد جريدة السائح الممتازة أقلب صفحاتها عساني أحظى بغايتي، فما خاب الأمل، إذ وجدت في العدد الممتاز الصادر بعام 1922م صورته الغراء مع مقال خطه بيراعه البليغ، فأثلجت صدري هذه المفاجأة السارة، ثم عثرت على شذرات من شعره الرقيق، مما يدل على ثقافته العالية، فهو كحمصي أرثوذكسي قد تثقف في مدارس الطائفة الأرثوذكسية التي كان وما زال لها الفضل الأكبر في رفع لواء العلم والعرفانفي محيط حمص، وأنجبت أعلام الشعراء والأدباء.
كان شاعرنا يزاول مهنته (التجارة)، ولم تلهه شؤونها عن نظم القريض، وله ديوان شعر مخطوط.
وفاته: لم أستطع الحصول على معلومات تثبت تاريخ وفاته، والمعلوم أنه انتقل إلى رحمة ربه في مدينة نيويورك، ودفن فيها في غضون عام 1940م بعد أن اشترك مع الشاعرين المرحومين ندرة الحداد ونسيب عريضة في الحفلة التأبينية الكبرى التي أقامتها الجالية الحمصية في نيويورك للمرحوم العلامة داود قسطنطين الخوري، وهم تلامذته، فقد رثوه وأبنوه وبكوه، ولحقوه تباعاً إلى دار الخلود، فيكون المترجم قضى نحبه في سن الكهولة المبكرة ولم يتخط الأربعين، وهو من الشعراء الذين ناوأهم الدهر باليأس والحرمان، فصرم حبل حياته قبل أن تختمر عبقريته.
وإني أدرج القصيدة التي جادت بها قريحته، وهي تفيض بمعاني الذكريات والوفاء والاعتراف بالفضل لأستاذه العبقري المرحوم داود قسطنطين الخوري التي ألقاها في حفلة تأبينه:
بالدموع العيون أمست تجود | ولزفرات وجدنا ترديد |
إن يعم البكاء سانبا ولو طراً | فالأسى في نويرك أيضاً يسود |
سانتياغو وبونس أيرس ومصر | مثل حمص فالحزن فيها شديد |
طي هذي الضلوع نار تلظت | ولنار الأشجان دوماً وقود |
ولئن سحت الجفون عليه | ففقيد الجميع هذا الفقيد |
هم تلاميذه وفي كل صقع | نزلوا بينهم تقوم العهود |
يكرمون اسمه ويحيون ذكرا | ه فيحيا ماضي الحياة السعيد |
شاعر مبدع رشيق المعاني | عالم فذ عبقري فريد |
مسرحياته سمت بابتكار | لا يضاهيه قط شيء جديد |
وأناشيده الشجية حلت | كل قطر وشعره المنضود |
وتراتيله تذوب انسجاماً | وحنيناً كأنها تغريد |
كلما (جنفياف) أو (بيت عينا) | ذكرت ذكره إلينا يعود |
منذ عهد الصبا وطور الأماني | رسمه في خيالنا موجود |
واسع الصدر باسم الثغر دوماً | فكه الخلق وادع محمود |
راجح الحكم حازم أريحي | حاضر الذهن ألمعي مجيد |
منطق ساحر وصوت رخيم | وخلال غر ورأي سديد |
في سبيل التهذيب أفنى حياة | رصعتها مفاخر وجهود |
ساهراً دائباً مجداً نشيطاً | بجنى علمه الغزير يجود |
في قلوب الجميع ذكراه تبقى | ولآثاره الحسان الخلود |
وعلى روحك السلام زكيًّا | طيباً يا أستاذنا داود |
* * *