بشارة محرداوي الحمصي
بشارة محرداوي الحمصي([1])
العصامي البارز السيد بشارة محرداوي الحمصي
أصله ونشأته: هو السيد بشارة بن عيسى محرداوي، ولد بحمص في اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار سنة 1876م، وكان ذلك اليوم يوم عيد البشارة عند الطوائف الشرقية، فاستبشر والده خيراً بطالعه الميمون فسماه (بشارة)، نشأ في كنف والده؛ فعني بتهذيبه وتثقيفه، فجنى من غرسه ثمراً كريماً طيباً، تلقى دراستهالأولية في مدرسة الطائفة الأرثوذكسية من سنة 1882م إلى 1891م وتخرج منها، وقد امتهن الصناعة، ثم تركها وتعاطى التجارة.
هجرته: دفعه طموحه الفطري فهاجر إلى البرازيل سنة 1896م، ودخل معترك الحياة ورأسماله الأخلاق والإدارة والنشاط والاستقامة، تلك المزايا المثالية التي تؤهل صاحبها أن يكون عنصراً نافعاً في المجتمع، وقد نجح في أعماله التجاريةبفراسته وكدِّه وجدِّه، فلمع نجمه وذاع صيته وعلا شأنه وفضله، لقد كان من الرعيلالأول؛ غيوراً مخلصاً على أفراد الجالية، لا يألو جهداً، ينصحهم بالتمسكبأهداب الفضيلة وحب الوطن، فكان لسمو توجيهه وإرشاده أبلغ الأثر في مراحل حياتهم.
عودته إلى الوطن: ولبى ذلك الألمعي الوسيم الطلعة، الرصين في أخلاقهوحصانته نداء قلبه، فعاد إلى حمص سنة 1903م، وأسعده الله بقرينة صالحة وهي الآنسة (آميليا بنت سليم سمين)، قريبة الشهم النبيل السيد عزيز سمين، فكان قرانه ميموناً، أغدق الله به على هذه الأسرة خيراته وبركاته، (فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا).
مآثره الاجتماعية: وفي سنة 1909م أهدى مطرانية حمص الأرثوذكسية مطبعة كانت أولـى المطابـع التـي وجدت بحمص، وكانت عاملاً قويًّا لإصدار جريدة حمص، وقد نقش على لوحة مرمرية مثبتة على جدار المدرسة العلمية الداخلية الأرثوذكسية اسم هذا المحسن، ولو علم القراء أن إحسانه هذا لم يكن من فضلة ماله، بل كان بنصف ما يملكه في ذلك العهد، لأدركوا أريحيته المقرونة بالإعجابوالشكر.
واحتفلت حمص بتكريمه في يوم (عيد بشارة)، فقال المرحوم قسطنطين يني في تلك المناسبة:
قد خصَّك الله بالإحسان والكرم | وخصَّنا بمديحٍ فيك ملتزم |
لولاك ما نشرت هذه الصحيفة من | عبير فضلك ما يحلو بكل فم |
رفعت أقدار حمصٍ في مواطننا | فصرت مشتهراً في الناس كالعلم |
دامت تقابلك الأعياد باسمةً | وأنت تجتازها في ثغر مبتسم |
وتبرع بمئة ليرة إنكليزية لمساعدة بناء المدرسة، وهو مبلغ ضخم آنئذ.
وفي سنة 1920م سافر إلى أوروبا، فأهدى المدرسة المذكورة آلة طابعة (اختزال) وأدوات مدرسية ثمينة، وكان لتبرعاته المتوالية الفضل في تحسين مواردالمدرسة، كما كانت المطبعة عاملاً لمحاربة الجهل ونشر العلم والعرفان في ربوع حمص.
ومن مآثره أنه تبرع في عيد بشارة سنة 1926م بثلاث مئة ليرة إنكليزية لإنشاء الميتم في حمص، والمعروف اليوم بالميتم الأرثوذكسي.
وقد رأت الجالية الحمصية من الواجب تكريمه اعترافاً بمكارمه ومآثره الحميدة وغيرته على المصلحة العامة، فأقام النادي الحمصي في سان باولو بتاريخ 25 آذار سنة 1946م ـ وهو يوم عيده الميمون، وذلك بمناسبة مرور خمسين سنة هجرية ـ حفلة كبرى، وفي هذا اليوبيل الذهبي تبرع ببناء جناح للميتم السوري في سان باولو كلف (25) كونتاً، عملة برازيلية، وبمئة ليرة إنكليزية إلى جمعيات حمص الخيرية لتوزع على الفقراء دون تفريق في المذاهب والأديان، وهذه مأثرة كريمة لها مغزاها النبيل تجلت في روحه الغسانية وكرمه الموروث، وهل في الكون أفضل من إسعاد المشردين البائسين من الأيتام الذين جار الدهر عليهم وحرمهم عطف الوالدين، وكسب مرضاة ربه الذي أغدق عليه نعماءه، فكان شاكراً وفيًّا ومحساناً للمجتمع.
وفي الخامس من شهر تموز سنة 1951م كان في مقدمة المغتربين الذين زاروا الوطن بدعوة من الحكومة، فعلَّق السيد خالد العظم وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى على صدر هذا المغترب النبيل الذي شق طريق الإحسان بين المغتربين بتبرعاته السخية المستمرة.
وأنعم غبطة بطريرك الكرسي الأورشليمي عليه بوسام القبر المقدس، وتلقى من بابا وبطريرك الإسكندرية وسام الصليب المقدس.
وفي سنة 1935م انتخب رئيساً لأول مجلس لمستشاري الميتم، وهو أكبر مركز في إدارة الميتم السوري العظيم الذي قال أحد شعراء العرب: إنه قصر الحمراء للعرب في البرازيل.
أسرته: لقد أنجب هذا السيد الفاضل تسعة أولاد، وهم: خير الله، وقد ترأس النادي الرياضي السوري مدة سبع سنوات، وانتخب عضواً في مدد مختلفة في النادي الحمصي، وشكر الله، وهو أمين السر مدة اثنتي عشرة سنة في الميتم السوري، وأمين السر لمستشاري جمعية الشبيبة الأرثوذكسية، و(روزينا) و(عيسى)و(أوندينا) و(أدلينا) و(بولندا) و(زيلدا) و(هاتريك)، والمؤلف الذي أعجب بشمائل صاحب هذه الترجمة، ويرجو أن يحتفل بعيده الألماسي وهو يرفل بحلل السعادة والصحة يتمنى لو أن أريحيته ومكارمه ومناقبه التي يعتز بها وطنه ذكَّرته بتسمية كرائمه بأسماء عربية وهو الغساني بأصله وروحه؛ لتبقى رمزاً للقومية العربية التي هو أحد أركانها في المهجر.
* * *