تامر الملاط
تامر الملاط([1])
الشاعر تامر الملاط
(1856 ـ 1914م)
مولده ونشأته: هو تامر بن بواكيم بن منصور بن سليمان طانيوس إدة، الملقب بالملاط، ووالدته عطر ابنة شبلي أبي ياغي، الملقب بالحسون، انحدرت أسرة ملاط في جبل لبنان من جدها الأعلى (طانيوس إدة) الذي نزح من قرية (إدَّة جبيل) في أوائل الجيل التاسع عشر واستوطن محلة (الخريبة) الواقعة بين بعبدا وحدث بيروت،فأقام فيها حقبة من الزمن، ثم غادرها وقومه صعوداً إلى بعبدا.
ولد المترجم في أواخر سنة 1856م في بعبدا، ونشأ في حجر والديه، وتلقى العلوم في مدرسة مارعبدا، وأخذ اللاهوت والمنطق والآداب العربية واستوعبها،وأحاط بدقائقها وشواردها، وكان بذكائه وفصاحة منطقه وسرعة خاطره وجمال طلعته محبباً إلى أساتذته، وبعد أن تخرج لم يشأ أن يكون له نصيب في الخدمة الكهنوتية، فعهد إليه بالتدريس في مدرسة أهدن الحكومية.
في خدمة العلم: ودعي للتعليم في معهد غزير، فأقام فيه مدة سنتين، وجادت قريحته بتأليف روايتين فذاع صيته، ونزعت به النفس إلى ميدان أرحب فاختار بيروت، وانخرط في سلك أساتذة مدرسة الحكمة المارونية، ومنها دعي إلى إدارة الدروس في مدرسة اليهود، فكان معلماً ومديراً، وتفنن بوضع روايتين أيضاً طوتهما أيدي الضياع كما ضاعت روايتاه في غزير.
وقد قرأ الفقه على الشيخ يوسف الأسير وهو في المدرسة اليهودية، وتفرد بالتفسير السرياني، وهو علم قل المطلعون عليه حتى في نفس السلك الكهنوتي.
في خدمة الدولة: ودعي إلى خدمة الحكومة فعين رئيساً لكتاب محكمة كسروان، ورقي إلى عضوية محكمة زحلة، ثم نقل إلى عضوية محكمة الشوف، ورقي إلى رئاسة كتاب دائرة الحقوق الاستئنافية، وبعدها عزل من وظيفته، فلجأ إلى بيروت حيث اشتغل بالمحاماة، ومنها انصرف إلى حيفا والناصرة، ثم أعيد إلى الخدمة وعين رئيساً لمحكمة كسروان، وأقام فيها زهاء ثماني سنوات، وأصابته محن كثيرة أوقف على إثرها ظلماً وعدواناً، ولما أفرج عنه انزوى في بيته مريضاً عاجزاً عن كل عمل، ثم أجري التحقيق فظهرت براءته، ولكن بعد أن حطمت التهمة المعزوة إليه أعصابه.
نكبته: لقد ذهب ضحية الكيد والوشايات والتزوير والاستبداد، إذ وقع حادث تزوير في سجل رسمي سرق على إثره، واهتم المتصرف مظفر باشا، فأوقف المترجم بصورة همجية في إحدى غرف السراي، فظهر التعب عليه واضطربت قواه العقلية، واستولى عليه ذهول بات يهيم منه على وجهه، ولما أفرج عنه انزوى في بيته مريضاً عاجزاً عن كل عمل، ثم ظهرت براءته، وأخذ المتصرف يستفيق من غفلته ويدرك الحقائق، وأبدى أسفاً لما وقع وندم على تعجله، ولكن بعد أن قضى على حياة رجل بريء، وظل شقيقه الشاعر العبقري شبلي يحارب المتصرف مظفر باشا وبعض أعوانه حتى جاء المتصرف يوسف فرانكو باشا، وأعيدت المحاكمةفي دعوى السجل المزور المسروق وظهرت براءة المترجم.
أيام مرضه: كان في وحدته وتنزهه في الأمكنة المعتزلة يتلهى بإنشاد الشعر، ويلحنه بصوته الرخيم، لا سلوى له إلا الشعر، يقوله متى ثاب إلى رشده، فيأتي بالبديع المطرب، وقلما خلت قصيدة نظمها من التحدث فيها على وصف حاله، وظل في دائه يدهش العالم العربي بمعجزات الشعر حتى أدركته الوفاة، وقد أظهرت زوجته الفاضلة (ملكة إلياس خياط) كل عطف وحنان خلال مرضه، فكانت مثال الوفاء والإخلاص لزوجها الأسد المريض.
شعره: كان شاعراً بليغاً، جاهلي الديباجة، سما به شعره إلى طبقة أكابر الشعراء، وكاد يكون في طليعتهم لولا نكبته ومرضه، وفي القصيدة التالية وصف نفسه في حالة مرضه، وهي بعنوان: الشاعر المريض، وهي طويلة مؤثرة نقتطف منها هذه الأبيات:
دعاني أجرع الغما
| فجفني بالأسى نمَّا
|
وخلاني أصيحابي | وسهم الغدر قد أصمى |
فلم أبصر أخاً يرجى | ولا خالاً ولا عما |
وراح الحظ عن شكوا | ي في أذن له صما |
وجدَّ الدهر في قهري | يحث الهمة الشما |
رأيت الناس تخشاني | كأني وابئ الحمى |
فلا أدري أحيًّا بتـ | ـت أم ميتاً قضى ظلما |
أري بيني وبين البؤ | س ودًّا طافحاً يمَّا |
ومن غزله البديع قوله من قصيدة بعنوان (الشامية):
روحي فدى ظبيات الشام والشام | ولو كلفن ولوعات بإعدامي |
بين البريد وجابيها على كثب | أضعت قلباً معنى نضو أسقام |
ما أنس لا أنس إذ بالجزع من بردى | صوب اللجين يباري مدمعي إلهامي |
ومنها:
يا ظبية زودتني نظرة تركت | روحي تسيل على أطراف أقدامي |
ما ضر بالشام لو ثنيتها فمضت | بمهجتي وانقضى تبريح آلامي |
وفاته: لقد تلاشت قواه بعد مرض طويل وعذاب أليم، فكانت وفاته يوم الأحد الواقع في 27 كانون الأول سنة 1914م وهو في الثامنة والخمسين من عمره، واحتفي بدفنه في بعبدا، وتبارى الشعراء في تأبينه ووصف مواهبه، وقد بكى بنو قومه أسداً صفدته أيدي الظلم، فكان ضحية غالية بذمة ذلك الحاكم المتسرع الجاهل وبعض اللئام الطغام، وتركت حالته المؤثرة قلب شقيقه الشاعر العبقري الأستاذ شبلي الملاط دامياً عليه مدى الحياة.
* * *