جاري التحميل

توفيق الصباغ

الأعلام

توفيق الصباغ([1])

الموسيقار الكبير الأستاذ توفيق الصباغ

ولد الأستاذ توفيق بن فتح الله الصباغ بمدينة حلب سنة 1892م، وتلقى دروسه الابتدائية والإكمالية في مدرسة الروم الكاثوليك، وقد دخل هذه المدرسة مجاناً مقابل استثمار مواهب صوته الجميل في ترتيل الأغاني الكنائسية، ولفرط ذكائهتفوق على أقرانه وأصبح يجيد اللغتين العربية والفرنسية والحساب، وبرع في الموسيقى اليونانية وأتقن (نوتتها بصالتيك)، ونبغ أيضاً في خطه العربي وأصبح من أجمل الخطوط، والجدير بالذكر أنه لم يستعن بأحد في تآليفه الموسيقية لتضلعه باللغة العربية، ثم برع في الفرقة النحاسية التي تخص المدرسة وأصبح كوكبها، مما لفت الأنظار إلى ميله الفطري للموسيقى ومواهبه الفنية، وقد ورث الفن عن والده الذي كان من كبار العازفين على آلة القانون، وبعد تركه المدرسة دخل كاتباً في إحدى المحلات التجارية، وظل يشتغل فيه بضع سنوات، ثم انتقل إلى مصر.

رحلته إلى مصر: وهناك بدأ حياته الفنية، وبعد سنتين أعلنت الحرب العالمية الأولى، فاضطر أن يسافر إلى السودان بسبب وقوف الحركة الموسيقية، واشتغل بالتجارة مدة سنتين، ثم عاد إلى مصر وتخصص بالعزف على (الكمان)، وبلغت مدة إقامته في مصر ما يقرب من عشر سنوات، ولم يبرحها إلا وقد أصبح علماً من أعلام الموسيقى، وذاع صيته ببراعته وشدة إحساسه الموسيقي، ونال لقب (ملك الكمان).

عودته إلى حلب: وفي سنة 1921م عاد إلى حلب فاستقبله أهلها بالترحاب والإعجاب وتابع عمله الموسيقي، وفي سنة 1923م تزوج ورزق غلاماً، ولم تمض سنة ونصف السنة على زواجه حتى شابت حياته الأكدار وجرعه الدهر كؤوس الأسى والحزن مترعة بفقده زوجته وابنه بعد مرض عضال، فجزع عليهما وتغير مجرى حياته، ومنذ ذلك الحين انطبعت ألحانه ونغماته بطابع الحزن والألم، حتى إنه كثيراً ما يؤثر على عواطف سامعيه فيبكيهم.

إقامته في دمشق: غادر حلب على إثر مصابه الأليم وأمَّ دمشق وأقام فيها مدة، وافتتح مدرسة موسيقية، ولما اندلعت الثورة السورية سافر إلى مصر، وعاد إلى دمشق بعد هدوء الأحوال وتابع رسالته الفنية فيها.

ألف هذا الفنان الألمعي بدمشق أول نقابة موسيقية، ثم سعى إلى تأسيس أول ناد موسيقي، وهو النادي الموسيقي الشرقي السوري الذي تفرع عنه فيما بعد عدة أندية موسيقية، وذلك بسعيه وجهوده، ثم انتسب إلى المعارف فعين أستاذاً للموسيقى في جميع المدارس بما فيها تجهيز المعلمات، وبعد تركه الوظيفة استمر في إعطاء دروس خاصة، وألف هذا الفنان النابغة مؤلفات فنية قيمة، منها كتاب تعليم الفنون، ثم المجموعة الموسيقية، ثم كتاب الدليل الموسيقي العام، وهو موسوعة نادرة جمع فيها كل ما يهم الموسيقيين من علم وعمل، وله الفضل في نشر الفن بدمشق.

طريقة عزفه: أما طريقة عزفه على آلة الكمان فقد بلغت حد الإعجاز، فهو يعزف الأنغام التصويرية وأصعب القطع الموسيقية بإصبع واحدة وعلى وتر واحد بمنتهى الدقة والطرب. وقد انتشرت ألحانه الصامتة في جميع البلاد العربية لقوتها وروعتها، وهو الآن يسعى جادًّا لإكمال اختراعه الذي يساعده على الوصول إلى هدفه الأسمى ـ وهو إدخال الموسيقى الشرقية للغرب ـ عن هذه الطريق، وفقه الله.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/ 332).

الأعلام