جاري التحميل

توفيق المنجد

الأعلام

توفيق المنجد([1])

عندليب الشام الأستاذ توفيق المنجد

إن للطموح الفني والقابلية الفطرية أبلغ الأثر في التوجيه، فإذا أنعم الله على فنان بالمواهب والرضا في حياته العامة نال ما تصبو إليه نفسه من مجد فني ومكانة اجتماعية مرموقة، وصاحب هذه الترجمة هو العندليب الأغن والمنشد البارع الأستاذ توفيق المنجد رئيس فرقة المدائح النبوية الذي يتمثل بشخصه الطموحالفني على أساس متين من النبل والاحتشام.

أصله ونشأته: هو السيد توفيق بن المرحوم أحمد فريد بن عبد الله الكركوتلي، وهذه الأسرة عريقة الأصل، استوطنت دمشق منذ عهد قديم، ثم تكنت (بالمنجد) لأن والد المترجم كان يحترف صنعة التنجيد العربي، ولد بحي القيمرية بدمشق سنة 1910م، وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة الإسعاف الخيري، واشتغل في عدة صناعات، ثم اشتغل بمهنة والده، واشتهر بالتنجيد التركي، ولقب بالمنجد على صنعة والده.

كان يسترق السمع إذا سمع الغناء، وتعلم بالسمع والقياس، ولما ترعرع لفت صوته البديع الأنظار فاشتهر أمره، ومن الطريف أن الله وهب والده ووالدتهوإخوته كلهم الأصوات الجميلة، فكانوا إذا تحدثوا سمعت كأن بلابل تغرد، فسبحان الخالق الوهاب.

بدء حياته الفنية: لم يتلق هذا الفنان الموهوب الفن عن أحد، واكتفى بما أخذه عن والده الفنان من القطع الغنائية الخفيفة، وافتتن بألحان المرحوم الشيخسيد درويش، فتعلم من الأسطوانات سبعة أدوار من ألحانه وأتقن حفظها، وأخذ من كل نغمة وصلة من الموشحات البديعة، وانقادت لطموحه المواهب، فألف فرقة موسيقية من العازفين والمنشدين، وصار يدعى إلى الحفلات الساهرة دون علم من والده، ثم دخل المعهد الموسيقي الشرقي، وكان منشد الحفلة التي أقيمت في مدرج الجامعة السورية، وهي مؤلفة من خمسين عازفاً، فكان يرتجف من رهبة الموقف، وغنى فيها مونولوج (دمعي اشتكى من أوجاعي وخف نداه)، وهو من ألحان الموسيقار المرحوم كميل شمبير الخالدة، وطرب رئيس الدولة الشيخ تاج الدين الحسني رحمه الله، فطلب منه إنشاد قصيدة (يا ليل الصب متى غده)، فبهر بسحر صوته وحسن إنشاده، وذاع صيته، فطلبته شركة كولومبيا في لبنان فسجل عشر أسطوانات من قصائد ومنولوجات.

ولما أغلق المعهد الموسيقي عاد إلى مزاولة عمله بنشاط فني واسع النطاق.

أما قدرته على النظم والتلحين فتلك إحدى مواهبه، فأول نظم له في الشعر والتلحين موشح نبوي من نغمة الزنجران:

يا راحلين يم المصطفى

بلغوا سلامي إلى الحبيب

نار قلبي لن تنطفي

إلا أن أزورك يا حبيب

أما مدائحه النبوية فإنها لا تذاع إلا في شهر رمضان المبارك وقت السحر لروعتها وتأثيرها على النفوس، وقد توالت طلبات عشاق هذا النوع على دار الإذاعة بقصد إذاعتها بين حين وآخر، وجاء أشخاص كثيرون من تركيا إلى دمشق، فكانوا يسألون عن هذا الفنان الألمعي ويرغبون بمشاهدته، وهو بالإضافة إلى رواتبه التي يتقاضاها من دائرة الأوقاف لا يعتمد في رزقه على الغناء، بل هو تاجر معروف يتنزه بسيارته الخاصة بين الخمائل مستلهماً ألحانه الفاتنة.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/ 278).

الأعلام