جاري التحميل

ثريا ملحس

الأعلام

ثريا ملحس([1])

(1925م)

انحدرت أسرة ملحس من الحجاز، وهي من القبائل البدوية التي كانت تدعى (بالوحيدات)، نزحت إلى الأردن وسكنت (الغور) منذ سنة 1500م، ثم سكنت القرى الزراعية وتوطنت في قرية (كفر الديك) من أعمال نابلس بفلسطين، ومن هذه تشعبت، فالأجداد آل عبد الرحمن وآل عبد الرحيم وآل عبد الوهاب وآل عبد الكريم وآل حسن سكن قسم منهم دير غسانة ومزار أبي عبيدة ونابلس وعمان والخليل، ومنهم من نزح إلى سوريا ومصر والعراق ولبنان والحجاز، ومن البارزين الأستاذ رشيد ملحس رئيس الديوان الملكي السعودي.

أما لقب (ملحس) فأصلها (مُلْ حسن) ومعناها حسن الشجاع، وهو لقب عثماني لأحد الأجداد في العهد التركي، وتكتب (مل حسن)، وعلى مرِّ السنين تحور اللقب إلى (ملحس).

مولدها ونشأتها: هي ابنة السيد عبد الفتاح بن محمد عبد الرحمن ملحس، وأمها شركسية تدعى (ينا حاج خان آيناز)، ولدت في عمان في أول شهر نيسان سنة 1925م، وتأخرت في النطق حتى ظن أنها خرساء، ولما بلغت السادسة من عمرها نطقت، نشأت في بيت ثري، وقد حمل والدها في قلبه وفكره حبًّا جمًّا للعلم، وهو ممن يؤمن بالحرية الفردية وبتحرر الفتاة بالعلم والثقافة.

مراحل دراستها: تلقت دروسها الابتدائية في مدرسة الحكومة الأردنيةللإناث وقضت فيها ست سنوات، ونالت الشهادة سنة 1938م، وتلقت دراستها العالية في الجامعة الأمريكية في بيروت، فرع الأدب واللغة العربيين، وقدمت للجامعة بحثاً أدبيًّا في (أدب الروح عند العرب) نالت عليه رتبة أستاذ في العلوم.

في خدمة العلم: وفي سنة 1925م عينت مدرسة للغة العربية والأدب في كلية بيروت للبنات، وآلت على نفسها متابعة مهنة التعليم، وهو حمل ثقيل على نفسها مدى الحياة، وهي مسؤولية كبرى لذوي الضمائر الحية اعتنقتها في سبيل اللغـة العربيـة، وفـي سـنة 1945م عينـت مستشارة للدروس العربية في الكلية وما زالت.

مؤلفاتها: أخرجت (النشيد التائه) وهو شعر طلق، و(قربان) شعر طلق، و(نفوس قلقة) وهو مقالات في الفن، و(أدب الروح عند العرب)، وقد طبعت، ومن مؤلفاتها المخطوطة التي هي تحت الطبع (شعر بالإنكليزية)، و(في المغاور) وهو شعر طلق، و(العقدة السابعة) و(مجامر الآلام) وهما قصص.

حبها للفنون: لقد تفتحت قريحتها في لبنان، وإن كل ما أنتجته كان في لبنان وهي تحت ربوع هذا الجبل، وكان لمفاتنه الطبيعية أثر عميق في نفسها، وفيه تعرفت على الفنانة اللبنانية المبدعة (سلوى ـ وضه)، فأخذت عنها حبها للرسم، وقرأت تاريخ الفنون، واهتمت بالرسم والموسيقى كما اهتمت بالآداب، وأخرجتلوحات فنية رائعة.

شعرها: هي من رواد الطريقة الجديدة في الشعر العربي المنثور، فلا تتقيد بالأوزان والتفعيلات، إنما تهتم بتموجات الفكر والعاطفة، وتأتي بما تشاء من الصور الرمزية وتستعمله وسيلة للتعبير عن آرائها، وهي فائدة حركة الشعر الطلق، ومن أجرأ المعاصرين في ثورتها على الأوزان والقوافي، حتى في عدم إرسال أشعارها على نحو من الشعر الحر المرسل، وقد سارت على طريقة الشاعرين جبران والمطران والشاعرة مي، وقد تبعهم طائفة من الشاعرات المجيدات، منهن سهيرة القلماوي وهند رستم ووصفية أبو شادي.

وهي شاعرة قومية في مناجاتها الروحية وهيامها بالله، تؤمن بوحدة الكون، وحلول الله في كل ذرة منه([2])، اتخذت مناجاة الطبيعة وسيلة في عرض مبادئها الإنسانية، وهي تتحدث عنها في أعنف حالاتها عندما تشتد العواصف وتهب الزوابع التي تقتلع التقاليد الفاسدة من الجذور.

وهذا نموذج من شعرها وهي تصور حال يتيمة فقدت الأم والأب والأخ:

استمددت قوتي من قسوة القدر، خلعت جذور الثمر

في المنحنى ناديت ربي ألم يكن أخي، أبي وكل ذكر

أما نزعتها الوطنية القومية فتأخذ قسماً وافراً من تفكيرها، وتعتبر البلاد العربية في نزاع الموت، وهي ترى إما الموت وإما الحياة، لا يحل القضايا العربية إلا الشباب الواعي المثقف، أما عهد الشيوخ فقد انتهى ولو حاول الشيوخ أن يتصابوا.

كانت حياة شاعرة العاصفة قاسية كالصخر منذ طفولتها، أصيبت بأمراض متعددة، وعاشت حياة طفلة مريضة، نشأت وفي نفسها مرارة ضد الحياة كلها، وقد كافحت في سبيل العلم، ولم تنل أي شيء بطريقة سهلة مطلقاً، ونفسيتها تظهر في كتبها من اللمحة العابرة، وقد اقترنت في سنة 1956م.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 558 ـ 559).

([2])   هذه عقيدة مخالفة لتعاليم الإسلام،بل وسائر الديانات السماوية (الناشر).

الأعلام