جرجي زيدان
جرجي زيدان([1])
(1861 ـ 1914م)
مولده: ولد المترجم في بيروت بتاريخ 14 كانون الأول سنة 1861م من أبوين فقيرين أميين، وأصل أسرته من بيت مطر، وهي من عرب حوران.
نشأته: تلقى مبادئ القراءة والكتابة في بعض مكاتب بيروت الابتدائية، وكان يشتغل مع والده في مهنة لاكتساب معيشته، وكان يلازم بعض المدارس الليلية يتعلم فيها اللغة الإنكليزية، ويبحث عن رجال العلم والأدب ويتقرب إليهم، وانتظم مع طائفة من خيارهم في سلك جمعية شمس البر الأدبية، فازداد حبًّا للعلم ورغبة في طلبه، واستعد حتى دخل القسم الطبي من الكلية الأمريكية الشهيرة في بيروت، واختص بفنون الصيدلة، ويؤدي بعض الخدمة لتأمين معيشته، ولكنه ترك المدرسة في أثناء السنة الثانية، وقصد بعد ذلك الديار المصريةليتمم دروسه في مدرسة القصر العيني، فلم يتح له ذلك بل دخل في طور العمل والكسب.
عصاميته: لقد كانت نفسه العصامية هي الحافزة لهمته والباعثة له على طلب العلم، وقد حصل بجده وقوة إرادته في الزمن القليل ما مكنه من العمل الذي عجز عن مثله من هم أكثر منه تحصيلاً، وأوسع في العلم والفنون عرفاناً.
عمله: اشتغل المترجم عقب هجرته إلى مصر بالتحرير في جريدة (الزمان) اليومية مدة سنة، ثم سافر مع الحملة النيلية الإنكليزية إلى السودان مترجماً في قلم المخابرات، وشهد بعض وقائع الحرب في السودان، ومكث هنالك عشرة أشهر. وسافر إلى سورية فاشتغل فيها مدة بدراسته اللغتين العبرانية والسريانية، ثم سافر إلى إنكلترا، وبعدها عاد إلى مصر، فندبه أصحاب المقتطف إلى مساعدتهم في إدارة المجلة، فتولاها فترة ثم استقال منها وانصرف بكل همته إلى التأليف، وتولى إدارة التعليم بالمدرسة العبدية سنتين.
مجلة الهلال: وفي أواخر سنة 1892م أنشأ مجلة الهلال، وجعل جل عنايته فيها بالتاريخ والأخبار العلمية، وجعل لها ذيلاً من القصص (الروايات) الغرامية الممزوجة بتاريخ الإسلام، فظهر من خطته فيما ينشئ وينقل أنه من أقدر من اشتغل بالصحف العربية والتأليف في عهده، أو أقدرهم على جذب جمهور القراء إلى ما يكتب بمحاولة جعل ما يكتبه لذيذاً سهل الفهم كالطعام اللذيذ سهل الهضم. وكان يختار في كل وقت ما يناسبه وفي كل حال ما يلائمه، ومن مزاياه أنه كان نزيه القلم، يبتعد عن كل ما يثير غضب أصحاب المذاهب الدينية والأحزاب السياسية، ومع ذلك فقد اتهمه بعض المسلمين بتعمد الطعن في الإسلام وتصوير بعض المسائل على غير حقيقتها، ورد عليه بعض هؤلاء في جريدة المؤبد، وطالما رد الإمام الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار على بعضهم مبرئاً له من سوء القصد، لما له فيه من حسن الظن، وقد اتهمه بعض النصارى بضد ما اتهمه به بعض المسلمين، فقد اتهموه بمصانعة المسلمين ومحاباتهم، ومدح الإسلام والمسلمينتقرباً إليهم، لأجل الكسب منهم.
رحلته إلى تركيا: وبعد الانقلاب العثماني زار الأستانة ولقي فيها بعض زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ثم عاد متشيعاً بالنهضة التركية، مستنكراً مجاراة العرب لإخوانهم الأتراك بالقيام بنهضة عربية، مستصوباً خطة الاتحاديين الأولى من تتريك العناصر وإدغام العرب في الترك، وقد كتب في الهلال ما يشعر بهذه النزعة، وظهر منه نزعة جديدة وهي إحياء مذهب الشعوبية.
مطاعن المترجم في العرب: لقد أودع في تاريخ التمدن الإسلامي مطاعن في العرب فطن لها أخيراً ولم يكن يحفل بها، وزادهم التفاتاً إليها ترجمة جريدة (إقدام) التركية لتاريخ التمدن الإسلامي ونشره فيها بالتتابع، وانبرى للرد عليه في هذه المواضيع الأستاذ الشهير المرحوم الشيخ شبلي النعماني، وهو من أشهر علماء الهند وأوسعهم اطلاعاً في التاريخ، وكان صديقاً حميماً لصاحب هذه الترجمة، ونشرت مجلة المنار الردود، وكانت شديدة الوطأة على المؤلف المترجم.
مؤلفاته: أما مؤلفاته المطبوعة المشهورة فهي: 1 ـ التاريخ العام. 2 ـ تاريخ مصر الحديث جزءان. 3 ـالتمدن الإسلامي خمسة أجزاء. 4 ـ العرب قبل الإسلام جزء واحد. 5 ـ تاريخ الماسونية. 6 ـ اليونان والرومان جزء صغير. 7 ـإنكلترا. 8 ـ اللغة العربية. 9 ـ آداب اللغة العربية جزءان. 10 ـالفلسفة اللغوية جزء صغير. 11 ـ أنسـاب العرب القدماء. 12 ـ علم الفراسة الحديث. 13 ـ طبقات الأمم. 14 ـ عجائب الخلق. و 26 قصـة روائيـة، منهـا 18 قصـة تتعلق بتاريخ الإسلام، وثلاث تتعلق بتاريخ مصر، وواحدة غرامية محضة.
وفاته: لقد ترك للعروبة تراثاً من المصنفات الجامعة بين الفائدة واللذة، وفاجأته المنية كهلاً، وقد أتم ليلة وفاته تصحيح آخر كراسة من آخر جزء من أجزاء السنة الثانية والعشرين للهلال، وآخر كراسة من كتاب تاريخ العرب، وصرع الموت أحد أركان النهضة العربية الحديثة في العلم والأدب من غير مرض ولا شكوى، وذلك في اليوم الواحد والعشرين من شهر آب سنة 1914م،وأنجب ولده إميل زيدان الذي أحسن تعليمه وتربيته.
* * *