جليلة رضا
جليلة رضا([1])
تلقت دراستها في المدرسة الفرنسية الداخلية ونالت شهادتها، وتنقلت مع والدها في سائر أنحاء القطر المصري، ورأت في الصعيد جثث الغرقى في النيل، وكانت هذه المناظر بطبيعة الحال تسبب لها نفوراً شديداً وتقززاً عنيفاً، وهي الفتاة الشاعرة المرهفة الإحساس، وانتهى بها الأمر إلى أن نفرت من اللحوم أيًّا كانت، وفرضت على نفسها هذا التقشف الإجباري وأصبحت نباتية.
تزوجت هذه الشاعرة برجل قانوني لا يرى في الشعر إلا أنه مضيعة للوقت، وهو رجل نهاره في المحاكم وليله في أكداس القضايا، فلم يكن من العجيب أن يفشل هذا الزواج نتيجة لعدم توافق الأهواء والميول.
وخرجت من عش الزوجية المنهار وفي عينيها دمعة، وانطوت على نفسها حزينة صابرة، لا ترى في زواجها الأول الفاشل إلا ذكريات مرة، مما جعلها لا ترى من الورد إلا أشواكه، ولا ترى من النهار إلا أنه فترة يعقبها الليل، ولا تفهم من الحياة إلا أنها قنطرة إلى الموت كما تقول:
ثم يمسي القبر مثواك إذا | ألقت الساعة بالخطر الأخير |
مواهبها الفنية: تهوى الموسيقى وتعزف على البيانو، وترسم المناظر الطبيعية بالفحم والزيت، وهي شاعرة تملك وسائل التعبير عن عواطفها في الموسيقى والرسم، فهي إذا قالت قصيدة انعكست عليها مظاهر الطبيعة، وإذا رسمت لوحة غلب عليها الإطار الشعري فبدت خيالية مغرقة في الخيال، وهي تنشر شعرها في المجلات المصرية والأدبية في الشرق، حيث التقت على صفحاتها مع نازك الملائكة الشاعرة العراقية، وفدوى طوقان الشاعرة الفلسطينية، وقد ظهرت في الندوات الشعرية وعرفها الناس كشاعرة تلقي شعرها في رقة بالغة وعذوبة نادرة، وتعتبر المرحوم الشاعر إبراهيم ناجي أستاذها، وقد تأثرت به في طريقة صوغها للشعر، وكان لهما سهرات أدبية يتطارحان فيها الشعر ويتناجيان فيها بعواطفهما الرقيقة، وقد جمعتهما صلة الفن وطبيعته، وفرَّقت بينهما طبيعة الإنسان، إذ قضى إبراهيم ناجي نحبه وفارق الدنيا وترك الشاعرة في حالة من الذهول والأسى العميق، ولما أقيمت حفلة تأبينية دعيت إليها، وكانت هذه أول مرة تلقي شعرها على الرأي العام.
ديوانها: أصدرت ديوانها (اللحن الباكي) إلى ميدان الأدب، وهو انتفاضة قلب عذَّبه الألم وصهره الحرمان من الزوج والحبيب والصديق، فقالت:
خلا الدهر من طيف الأحبة والعدا | فلم يبق من خير على الدهر أو شر |
والمتصفح لديوانها يجد انطباق اسمه على مضمونه، فكل شعرها ألحان باكية، وتلمح في شعرها الوحدة القاسية والحيرة البالغة، ولا تجد لها قصيدة واحدة تتجاوب مع مشاكل الناس وآلامهم، ولعل السر في هذا أن آلامها الخاصة قد طغت عليها بحيث لم يعد في قلبها متسع لآلام الناس، وهي صنوة الشاعرة فدوى طوقان، فكلتاهما تحس الشعور بالوحدة، وكلتاهما صاحبتا ديوان باك حزين، وشعرهما يتطور من حسن إلى أحسن، حتى إنها في إحدى قصائدها التي لم تنشر بالديوان تدعو إلى التفاؤل، كقولها:
تمرَّد كيفما تقوى | متخبط اليأس |
وته في كونك المسحو | ر مبتعداً عن الناس |
هذا وإن المعجبين بمواهبها ليتابعون باهتمام تطورها الشعري.
* * *