جاري التحميل

جميل أحمد الكاظمي

الأعلام

جميل أحمد الكاظمي([1])

(1905م)

مولده ونشأته: هو الأستاذ جميل بن أحمد بن خضر بن عباس بن عيد بن بريسيم، من فخذ (البو غزلان)، ومن عشيرة بني عامر المستوطنة في العراق والجزيرة العربية، وقد رحل جده الأعلى عيد من المشيرة القريبة من بغداد إلى الكاظمية مرقد الإمامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد، وقد تشيع جده بالمذهب الشيعي؛ الإمامية الاثني عشرية، وتزوج والده من إحدى أسر الكاظمية، فدم المترجم مزيج من الكردية والعربية، وهذا السر في جنوحه إلى الخيال وتفضيله المعنى على اللفظ.

ولد المترجم سنة 1905م، وتجلت مواهبه منذ أن حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالمدارس الأهلية، وبعدها بمدرسة الأخوة الإيرانية، وأكمل فيها دروسهالابتدائية، وعند سقوط بغداد في الحرب العالمية الأولى سنة 1919م ترك الدراسة واشتغل مع والده في التجارة، وبعد سنتين فجع بوفاة والده، فأصبح هو رب الأسرة، والتحق بخدمة الدولة، ولا زال موظفاً في دوائرها.

مواهبه الأدبية: تعتبر الكاظمية مرقداً لأبناء الرسول الأعظم، وكان يفد كل عام إلى زيارة هذه الأضرحة كثير من الشعراء والأدباء، وفي شهر محرم الحرام يتبارى الشعراء في الرثاء وتعداد مناقب الأئمة، وتقام المواكب، وكان يحضر تلك الاجتماعات ويسمع ما تجود به قرائح الشعراء، فمن هناك تأصلت فيه ملكة حب الشعر، فأخذ منذ ذلك الوقت يحضر مجالس أدباء ذلك العصر وعلمائه، ويقرأ الشعر باللغتين الفارسية والتركية، وبعد فترة أخذ ينظم الشعر على طريقة عصره في أبواب الرثاء والمدح والوصف والغزل، وكان شديد الاطلاع على صحف البلاد العربية والمهجر آنذاك، ثم اتصل بالشاعر الزهاوي وتوثقت عرى المحبة والألفة بينهما، فكان يتوسم فيه النبوغ والعبقرية على حداثة سنه، والمترجمككل شاعر مثقف لا ينظم إلا على العمود الشعري، ويعتبر شوقي أشعر شعراء العربية قاطبة بعد المتنبي في عصره، ولما توفي شاعر الاستقلال المرحوم عبد الرحمن البنا لم يرثه أحد من معارفه، ولكن الأستاذ الكاظمي رثاه في ليلة واحدة بقصيدة عامرة تربو على المئة بيت، وهي تدل على تمكنه من اللغة العربية، وأن القوافي دانت لقريحته المتقدة، نقتطف منها هذه الأبيات:

وكلفتني صوغ الرثاء ولم تكن

سوى موقن بالموت في هدأة البال

فقلت وجوباً بات عندي وربما

تقول رثائي أنت من بعد ترحالي

وتلك هي الأقدار شاءت وهذه

دراري الرثا تأتيك من كف لأالي

وله من قصيدة نالت الجائزة الثانية من دار الإذاعة العربية البريطانية في لندن عن شاعرها شكسبير ـ فقال وقد أجاد وأبدع في الوصف:

جارتك في الشعر رب الشعر ورقاء

أدنى منابرها في الكون جوزاء

يصغي لها الدهر ما ناغتك في شجر

من فيض ما قلته يكفيه إرواء

ومنها:

ترى الحياة فساداً أينما التفتت

عيناك تبحث فالإصلاح عنقاء

تحصي النقائص والأيام ما برحت

ترميك بالنقص ظلماً وهي عوراء

والحق ما شع إلا في (جزائره)

فوراً وتذكيه حكام أجلاء

ولما أصدر الشاعر العبقري الأستاذ عبد المجيد الملا كتابه (لغة القلوب) وصفه بقوله:

أسمعتنا لغة القلوب حنينا

وأريتنا نغم الحنين شجونا

وهززت أعطاف الحياه لوقعة

لما تحدر في القلوب أنينا

أسمعتنا الدقات بين خفوقها

لغة وعاها الشاعرون قرونا

ما سلوة العشاق إلا ما روى

قلم بما قد خط كان أمينا

يروي ابتسامات الوصال وينثني

يروي لنا دمع الفراق سخينا

قلم جرى فوق الشعور ففجرت

عنه الأنامل للبيان عيونا

فإذا بظمآن البيان حيالها

ريان روَّاه البديع معينا

ومن غزله البديع في وصف مليح، وهو في هذا اللون من الشعر يعيد لنا عهد أبي نواس، قال:

يمشي فترمقه العيون كأنه

ظبي يعيث بمهجة المتربص

مرعاه قلبي والضلوع كناسه

يأوي وطيب العيش غير منغص

يرنو وللسحر الحلال بعينه

آيات حسن فوق عرش مفصص

وحديثه العذب الشجي وريقه

سلسال خلد في كؤوس الخلص

وله ديوان خطي ضخم يربو على (2800) صفحة أسماه (البوارق).

في الحقل الصحفي: هو دائب التنقيب والقراءة والاتصال في مكتبته المشحونة بأمهات كتب البلاغة والتاريخ والشعر، وفي سنة 1941م أصدر صحيفة (صوت الحق) بعد حركة رشيد عالي الكيلاني مباشرة، وهو موظف، وكانت الرخصة باسم غيره ويشرف على تحريرها، وكانت لسان حال المواكبين للبيت الهاشمي المالك، حيث كان من رأيه السياسي الاعتصام بالملكية نظراً لأن العراق لا زال هاشمي الهوى منذ صدر الإسلام، وفي تلك الفترة كان ينظم قصائده السياسية ويذيعها من دار الإذاعة، ثم طبعها في مجموعة سماها (آيات الحق والإخلاص)، وقد سجل فيها وقائع العراق والحرب العالمية الثانية وكفاح الأحرار.

والشاعر المترجم أديب لغوي بارع في النقد، فقد تصدى لنقد ديوان معالي الشاعر الكبير الشيخ محمد رضا الشبيبي، فنشر عنه (41) مقالة في جريدة النصر البغدادية، وتلك المقالات مجموعة في إضبارة خاصة لدى المرحوم رفائيل بطي لإعجابه بها، وقد نشر في أمهات الصحف العربية نثراً وشعراً، ومن أبرز ما امتاز به أنه يدين بالمذهب الوجداني ويمقت الطائفية في العراق ويحاربها بقلمه ولسانه.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 219 ـ 220).

الأعلام