جاري التحميل

جميل سلطان

الأعلام

جميل سلطان([1])

الدكتور جميل سلطان

(1909م)

أصله ونشأته: هو ابن المرحوم سليم بن عبد القادر بن محمد بن الأمير محمد شفيع بن الأمير محمد قاسم آخر ملوك الداغستان وأمرائها، ولد في دمشق سنة 1909م.

انحدر المترجم من أسرة أصيلة المحتد، وكان جده الأعلى سلطاناً على بلاد الداغستان الممتدة بين بحر الخزر والبحر الأسود، وتذكر الأسرة أن أصلها قرشي استقرت أيام فتوح الخليفة عثمان في مطلع العقد الثالث من الهجرة، وأن لغتهم الرسمية كانت العربية الفصحى، وأن جدها الأعلى الأمير محمد قاسم قد جاء مهاجراً بما ملك إلى دمشق، فأقام فيها وتزوج وخلف نسلاً منذ مئتي سنة، وأنجبت هذه الأسرة فقهاء وعلماء في الفلك وفي الموسيقى والشعر.

تحصيله: تلقى دراسته في مدارس الحكومة، وحاز على الشهادة الجامعية في الحقوق وشهادة كلية الآداب العليا عام 1932م، وكان من ثقافته أن أتقن إلى جانب العربية اللغة الفرنسية، وألم بالإنكليزية والتركية خاصة.

في خدمة التعليم: عين مدرساً للآداب واللغة والاجتماعيات في تجهيز أنطاكية، ثم نقل إلى تجهيز دمشق، وتنقل بين المدارس التجهيزية في حلب وحمص إلى عام 1937م.

إيفاده: أوفدته وزارة المعارف بالانتقاء للدراسة في باريس ثلاث سنوات، ونال إجازة (الليسانس) في الآداب والدكتوراه في الآداب أيضاً من درجة (مشرف جدًّا)، هذا بالإضافة إلى أنه نال شهادة مدرسة اللغات الشرقية في باريس، ودرس في مدرسة العلوم السياسية ونجح في السنة الأولى منها، وكان الهجوم الألماني سنة 1940م، فلم يكد يصل إلى وطنه إلا بشق الأنفس، وكان هناك انتخب عضواً في المجمع اللغوي للدراسات الجامعية السامية في معهد الصوربون في باريس.

وبعد عودته عين أستاذاً للأدب العربي بدمشق، وانصرف إلى التعليم والتأليف، ومنذ هذا التاريخ استقر اتجاه المترجم على دراسة الأدب في نواحيه المختلفة، وعلى قرض الشعر في المناسبات الوطنية والدينية وغيرها، وعلى التأليف فيما يرى فيه الحاجة.

واستمر في التدريس منذ عام 1940م إلى عام 1945م، ثم اختارته الوزارة مديراً للمعارف في محافظة حوران، ثم اختارته كلية الآداب أستاذاً فيها، وبعدها نقل إلى وزارة المعارف مدرساً أيضاً.

المدير العام للإذاعة السورية: واختير مديراً عامًّا للإذاعة السورية عام 1951م، ثم حدث الانقلاب الثالث في عهد الشيشكلي فعاد إلى التدريس في وزارة المعارف التي هي موئله ومنشؤه فيها، وعين مديراً للتجهيز الأولى، ثم نقل للتعليم الابتدائي في وزارة المعارف.

وطنيته: كانت الإضرابات تتوالى احتجاجاً على السياسة الاستعمارية الفرنسية الغاشمة، فكان المترجم يقود المظاهرات، وكان كثير القول، ينظم الشعر الحماسي في المناسبات الوطنية، وقد اعتقل مرات عدة، وذاق ألوان التنكيل والعذاب، وكان الجيل الذي رافقه المترجم جيل نضال ومقاومة، إذ لم تكد تتفتح عيون أبنائه على الحياة حتى رأوا أغلال الاستعمار تطوق البلاد فثاروا، وكان لمعلميهم ومدرسيهم الفضل الكبير في إذكاء الروح القومية والشعور الوطني، ومن أجل ذلك كثر الشعر الوطني في شعر المترجم إلى جانب غيره من الموضوعات الوصفية والدينية والاجتماعية، وقد ظهرت في شعره آثار نهضة فنية جديدة تستهدف في معانيها خدمة الشعب وتصوير أفكاره والحديث عن النفس حديثاً وجدانيًّا.

أضواء على حياته الأدبية: اتصفت حياة المترجم الأدبية باللطف والعنف، فأورثته شهرة ومكانة بارزة، ويعود ذلك إلى عوامل شتى أهمها أن المجمع العلمي وطد شهرة شباب الشعراء بتكريمهم، وكان الشاعر أستاذاً ناجحاً، وكان اتصالهبالشباب ومعرفتهم قدره الأدبي والعلمي من دواعي هذه الشهرة في المجتمع.

وكان منتسباً إلى جمعية التمدن الإسلامي، وهي لا تتدخل في غير العلم والأدب والحضارة الإسلامية، وانتسب إلى نادي فيصل الثقافي، كما وأن مؤلفاته قد شقت طريقها إلى الناس فانتفعوا بها، وأفاضت على المترجم شهرة فائقة، وجاءت الإذاعة فكان من أكبر محدثيها، وحينما عقد مؤتمر الأدباء العرب الثاني في بلودان كان من أعضاء الوفد الرسمي لذلك المؤتمر، كما كان عضواً في معظم اللجان التي تؤلفها وزارة المعارف للبرامج والفحوص العامة.

مؤلفاته: له ديوان شعر ما يزال مخطوطاً، وقد أسماه (قلب الشاعر)، أما المطبوع من مؤلفاته: 1 ـ كتاب (مستهل الآداب)، وله مؤلفات أخرى تتعلق بالتعليم الابتدائي كالاستظهار المصور والقراءة الأدبية. 2 ـ (فنون الشعر) في أنواع الشعر العربي المختلفة. 3 ـ أوزان الشعر وقوافيه. 4 ـالموشحات. 5 ـ شاعر على سرير من ذهب عبد الله بن رواحة. 6 ـ أبو تمام. 7 ـ جرير. 8 ـ صريع الغواني. 9 ـ الحطيئة. 10 ـالنابغة الذبياني. 11 ـ في القصة والمقامة. 12 ـ زهير، وكلها دراساتوافية ومراجع موثوق بها في الأدب تدرس في المدارس بصورة رسمية.

وله في الفرنسية: 13 ـ دراسة نهج البلاغة، وهي أوسع دراسة علمية مطبوعة نال عليها المؤلف شهادة الدكتوراه من درجة مشرف جدًّا، وقد ترجمها إلى العربية ولم تطبع.

14 ـ وله تحقيق لمخطوط (أحاديث الشعر). 15 ـ رواية الإمام عبد الغني بن عبد الواحد الجماعيلي. 16 ـ دراسة مخطوطة عن حوادث دمشق اليومية منذ مئتي عام بعنوان (دمشق الشام منذ مئتي عام)، وقد طبعتهما مجلة التمدن الإسلامي كما طبعت له كتاب (في القصة والمقامة).

وله من الكتب المخطوطة كثير من المحاضرات والكتب والمقالات، منها ما ألقي في النوادي الأدبية أو نشر في المجلات، مثل كتاب 17 ـ (زياد حكم الطرفين)، وهو دراسة وافية. 18 ـ (مشارع البيان). 19 ـ (سبيل السلام). ومحاضرات عن الدعوة الإسلامية، مما يعطي فكرة كاملة عن  الجهد الأدبي المنتج الذي يتحلى به المترجم.

إنتاجه الأدبي: يعتبر الدكتور سلطان من أشد الكتاب والشعراء تأثراً بالثقافتين الإسلامية والغربية الحديثة، ويظهر هذا في آثاره الشعرية والنثرية، ومقالاته ومؤلفاته على اختلاف مناحيها الأدبية.

وكذلك تجد هذه الظاهرة من الثقافة العميقة في شعره الذي يجمع إلى جدة الأفكار وطرافتها ومتانة أسلوبها أصالة البيان فيها، وهنا مجال الإشارة إلى تأثره بالقرآن الكريم، وقد استمد الأسلوب واللغة من القرآن، واتخذ خطة مثالية فجعل الأدب في خدمة الأهداف الرفيعة، فالدين والأخلاق والوطن والعروبة والقومية وغيرها من المثل العليا هي التي يستهدفها في إنتاجه الأدبي، ولولا ما نعلم  عن اتجاهه الديني والاجتماعي لقلنا إنه شاعر غزل وصاف، وله في الرثاء فصول، وهو لا يكتب في هذا أو غيره إلا متأثراً بالعاطفة وشاعراً بالموضوع، وهو في هذا أبعد الناس عن أن يتكلف ما يطلب منه إذا لم يكن يشعر به أو يحس به في ضميره.

أما الحكمة فمنثورة في ثنايا كلامه، وأما الهجاء فقد ترفع عنه، وهو في حياته التعليمية والعلمية الأدبية الاجتماعية يعتبر ممن أدوا الرسالة التي تطلب من الأديب المفكر.

شعره: وهذه قصيدة نظمها بمناسبة المولد النبوي الشريف عنوانها (مولد الحق والقوة)، ومطلعها:

أي نور في الأفق ملء رحابه

يغمر الجو ساطع من شهابه

لاح في ظلمة الحوالك بدراً

ضاحك النور في أتم إهابه

ولد المصطفى لأكرم فرع

عرفته قريش من أحسابه

ومن قصيدة له بعنوان (عظة المصباح) قال:

أوقد المصباح لا تحفل بما

طاف حول النور أو ما قد هلك

كلنا يهفو إلى النور ولا

يرحم النفس بهذا المعترك

نحن أدرى بأفانين الردى

من فراش ضل أو طير أرك

ومنها:

ترك الروض إلى النور هوى

أترى يعلم عقبى ما ترك

لو درى الهلك على آماله

قص جنبيه ولم يلق الهلك

هذه الأحلام طافت حلوة

مثلما طاف على المهد الملك

وشيها الرائع قد راح به

عاصف الدهر وزعزاع الفلك
 

أدرك الدهر جناحيها كما

أدرك النور جناحي ما ملك

دهرك الجبار لا يرعى المنى

شأن كفيك بما قد هان لك

وأما قصائده الوطنية الرائعة، فقد سكب فيها كل ما في روحه من ألم، وتسامى في شعوره القومي، فغنى قصيدة بعنوان (أعد لي ذكر المجد)، نقتطف بعض أبيات، منها قوله:

أعد لي ذكرى المجد من كل تالد

فإني تواق لعهد الأماجد

وما هز هذا القلب إلا صبابة

توازعها في الصدر غير هوامد

إذا ذكر الماضون ألفيت نورها

يرد على الأبصار نور الفراقد

وما حن للماضين لما ذكرتهم

سوى كل ميمون النقيبة واجد

ومنها:

إذا لم يروا في السيف طولاً مشوا به

فزاد بطول السيف طول السواعد

كذلك تبنى بالجماجم والدما

صروح المعالي راسخات القواعد

لعمرك ما في العيش خير لعاجز

يهون على القربى وحكم الأباعد

وما سرني أني أمت لمبدأ

إذا كان فيه الذل غير مجاهد

ومنها:

فحيث يكون السيف والقلب لا ترى

سوى صرح مجد كالشوامخ مارد

وحيث يكون الضعف تنهزم العلى

ويمتد ظل الهون فوق المعابد

ومنها:

إذا كان للأجداد مجد مخلد

فترك العلى عار على كل والد

وإن بناء المجد أيد تتابعت

تشيد طريقاً خالداً فوق تالد

واستمع إلى خريدته (الربيع)، فقد تجلت فيها روائع الوصف والمعاني والقوة، نقتطف منها قوله:

يا مطرب الروض غاد الروض جذلانا

واحمل إلى غصنه سحراً وألحانا

وانقل جناحك من غصن إلى فنن

واشمم من الزهر أشكالاً وألوانا

هذا الربيع فهل حييت مقدمه

وهل نثرت له ورداً وريحانا

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 148 ـ 150).

الأعلام