جاري التحميل

جميل العظم

الأعلام

جميل العظم([1])

(1873 ـ 1933م)

مولده ونشأته:هو جميل بن مصطفى بن محمد حافظ بك بن عبد الله باشا ابن محمد باشا بن فارس بك بن الجد الأعلى إبراهيم باشا العظم، ولد بمدينة دمشق سنة 1873م، نشأ في بيئة صالحة ألهم فيها الرشد صبيًّا، فألزم نفسه حفظ اللسان وصون الجوارح.

تلقى العلم في المدارس الحكومية ولازم حلقات العلماء في عصره، وارتشف من العلوم العربية وآدابها نصيباً وافراً، وكان ذكيًّا نجيباً محبًّا للعلم والمطالعة، وعالماً وأديباً شاعراً، تولى رياسة كتاب مديرية المعارف بدمشق، ثم فصل عنها، فذهب إلى الأستانة حوالي عام 1900م وعين عضواً في مجلس المعارف، ثم تبادل الوظيفة مع ابن عمه واصل بك المؤيد العظم حيث أصبح محاسباً للمعارف في ولاية بيروت.

وطنيته: رافق القضية الوطنية منذ فجرها، حيث كان على اتصال مع ساسة زعماء العرب في مصر، وفي الحرب العالمية الأولى سافر إلى مصر واشتغل مع الزعيم السياسي رفيق بك العظم وابن عمه حقي بك العظم في طلب الاستقلال الإداري للبلاد العربية. وبعد زوال العهد التركي عاد إلى بيروت واقترن من ابنة عمه بدرية بنت علي حافظ بك العظم، ومن سيدة تركية كانت معلمة في بيروت، ثم اقترن من سيدة بيروتية.

نزوحه إلى مصر: لقد استطاع أن يفلت من الشرك التركي فسافر إلى مصر في بدء الحرب العالمية الأولى، ولو بقي في بيروت لكان نصيبه النفي والتشريد كبعض أقربائه، وبسبب غيابه خسر خدماته الحكومية، فلم يستطع العودة إلى الوظيفة ولا نوال الراتب التقاعدي لانقطاعه عن العمل مدة طويلة، فعاش مع عائلته بعوز وقد اجتاحه البؤس، وهو غل من أبغض الأغلال، وقيل: إن البؤس أسدى إلى بعض الشعراء إحساناً وأضفى على شعرهم إتقاناً، فلا تجود قرائحهم بالنفائس إلا وهم بائسون، وإنهم لما يلمسون بعض السعادة يخلدون إلى البلادة، ولما يرتاح بالهم يقل في الشعر مقالهم.

محنته العائلية: لقد عاش بين أسرته الكبيرة وجلهم أثرياء مترفون، عاش معوزاً بين عيون تعامت عنه، فلم ينقذه من حياة الأموات سوى سهم الممات.

مات فلم يخسر شيئاً من الدنيا، لأنه لم يكن قبل الموت حيًّا، عاش فأنكروه ولم يذكروه، عاش يبحث عن الرحمة المفقودة في المجتمع حتى ذوى يأساً وقضى بؤساً، لقد فقد الرحمة والعطف حيًّا ثم مات، فطلبوا له غيثاً من الرحمات، فهل كانت الرحمة للميت لزاماً وعلى الحي حراماً؟

ليت أثرياء أسرته صانوا هذا الشاعر العلامة حيًّا، وهو فخر المجتمع بأدبه وعلمه، لا عيب فيه سوى فقره وبأسه وشممه.

شعره: لقد اقتنى مكتبة نفيسة اضطر لبيعها بألف ليرة ذهبية لتأمين إعاشة عائلته الكبيرة، وله ديوان مخطوط عبثت به الأيدي، فضاعت آثاره الأدبية وانطمس ذكره، ولم يبق منها إلا ما كان منشوراً في الصحف والمجلات.

لقد كان ناثراً متفنناً وشاعراً فذًّا مبدعاً في أسلوبه، متين القوافي، أنيق الديباجة، رقيق الوصف، قوي الارتجال في كل مجال، إلا أنه متوار بزهده وتواضعه، واقف غرر قصائده ودررها على حمد الله تعالى ومدح رسوله الكريم، وله مؤلفات مخطوطة، منها كتاب (التعرف للأمة تحدثاً بالنعمة).

لقد كان بينه وبين الشيخ مصطفى نجا مفتي بيروت الأكبر صلة مودة وثيقة، وقد رثاه بقصيدة مؤثرة فياضة بالنبل والشعور، وقد ارتجلها يوم وفاته ومطلعها:

بكيت دماً من بعد ما نفد الدمع

وصم لنعي قد سمعت به السمع

بكيت ولم  أبك امرأً قبله ولن

يُرى لي بعد اليوم في فاجع دمع

ولله قلب لم يرع قبل خطبه

بدهر ولم يصدعه في حادث صدع

رعى الله من فارقت بالأمس مرغماً

ورب فراق قاهر ما له دفع

أقول عزاء والجوى يستفزني

وما الصبر في كل الرزايا له نفع

وإن التأسي لا يساعده العزا

خواطر في نفس الفتى ما لها وقع

فيا لوعة قد باغتتنا بروعة

وهول فلم يفرح لنا بعدها روع

رمت بسهام كلنا غرض لها

فأي فؤاد  لم يصبه بها قرع

ويوم به الإحصاء ضل حسابه

فلم يحص فيه الجمع وتر ولا  شفع

ترى الناس فيه كلهم حشروا ضحى

سكارى بصرف الحزن مازجه الفجع

كأن لم يمت حي سواه ولم يضق

بمصرع ميت غير مصرعه ذرع

ومنها:

سأبكيه لا أبقي من الدمع قطرة

وإن دمي حسبي إذا نفد الدمع

وحسبي ود واصل بين روحه

وروحي فذاك الوصل ليس له قطع

أجل أنا في دهر عجيب به الوفا

ولكنني فيه بحب الوفا بدع

ومنها:

ويا راحلًا لم يبق لي بعده أخ

ولا طلل آوي إليه ولا ربع

تساوى لدي الخير والشر بعده

فسيان عندي الضر بعدك والنفع

رثيتك لكن لا طويلي مقارب

ثناك ولا العشر الطوال ولا السبع

وما يبلغ التأبين بالشعر من ثنا

إمام تولى أمر تأبينه الشرع

كان ذا خط حسن، يجيد الكتابة بالثلث والنسخ والتعليق والرقعة، أخذ قواعده من أشهر الخطاطين في عصره.

في المجمع العلمي: لقد انتفع بصحبته كبار العلماء، منهم العلامة الشيخطاهر الجزائري مؤسس المجمع العلمي العربي بدمشق، وقد انتخب سنة 1920م عضواً في المجمع العلمي، وظل عنصراً عاملاً فيه حتى وفاته.

وفاته: وفي يوم الثلاثاء الثالث من شهر تشرين الأول سنة 1933م طواه الردى بعد أن داهمته خطوب الأسى واليأس والفاقة، وألقى الدهر على كاهله أعباء الحياة، فناء بأشجانها رزاحاً على كلال، فانطوى على نفسه بالأسى والحرمان في كفاح مرير مع عدم القدرة على الارتزاق، ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق، وأعقب ولدين وسبع كرائم.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/123 ـ 125).

الأعلام