جاري التحميل

حبيب اليازجي

الأعلام

حبيب اليازجي([1])

الشيخ حبيب اليازجي

(1833 ـ 1870م)

هو بكر الشيخ ناصيف اليازجي، ولد في كفر شيما في 15 شباط سنة 1833م، وتلقى العلوم على والده فنبغ بالعربية في جميع فروعها، ولم يتعلم في مدرسة بل على بعض الأساتذة واجتهاداً بنفسه.

مواهبه: لقد نظم الشعر في صباه، ولكن انصرافه إلى التجارة شغله عن الإكثار من النظم، ومال إلى دراسة اللغات الغربية فأتقن الفرنسية على أحد الأساتذة بآدابها تكلماً وتعريباً وإنشاء، وألم بالإيطالية والإنكليزية والتركية واليونانية إلماماً وافياً بغرضه فيها، وكان رياضيًّا ماهراً، أتقن الحساب بفروعه، والجبر وحساب مسك الدفاتر (الدوبيا) الذي كان نادراً في ذلك العهد، وقل من عرفه، وكان  تاجراً ماهراً، وله مع راهبات الناصرة في بيروت قصة خطبته لابنة أحد زعماء فلسطين كانت تدرس عندهن، ثم عاجله الموت قبل الزواج.

في بيروت: كان غنيًّا، فبنى بيتاً بديعاً له ولأسرته في حي يقال له: زقاق البلاد في بيروت، ولما فشا الهواء الأصفر في بيروت عوتب على عدم ترك المدينة وذهابه إلى إحدى القرى بلبنان، وقد كان  ذلك سنة 1865م، فأجاب لائميه على الفور: (الهواء الأصفر ولا معاشرة الفلاحين)، لأنه لم يعتد معاشرة غير الطبقة الراقية في بيروت.

خدماته العلمية: انتظم في سلك أعضاء الجمعية المشرقية التي أنشأها الآباء اليسوعيون في بيروت سنة 1850م لخدمة اللغة والآداب، وكان يكتب في مجلة أعمال شركة مار منصور دي بول الشهرية التي ظهرت ببيروت في أول حزيران سنة 1867م، وكان عضواً مع شقيقه الشيخ إبراهيم في الجمعية العلمية السورية، ولهما آثار أقلام في (مجموعة العلوم)، وهي مجلتها الشهرية التي ظهرت في 15 كانون الثاني سنة 1868م، واحتجبت بعد سنتين.

مؤلفاته: له شرح بديع على أرجوزة والده (الجامعة في العروض والقوافي)، فسمى هذا الشرح: 1 ـ (اللامعة في شرح الجامعة)، وهو من مطولات الكتب في هذا الفن، استقصى فيه جميع شوارده ودقائقه، وتبسط في إيضاح أصول الفن ونكاته، فأجاد فيه بنفثات بديعة وشوارد شائعة منتخبة من كتب الأدب والعروض، ودبجه بأمثلة كثيرة تدل على سعة اطلاعه وشدة حذقه، وقد طبع كتاب اللامعة بالمطبعة الوطنية في بيروت سـنة 1869م فـي 127 صفحـة، 2 ـقصة (عاد ليرا برونزويك)، عربها عن الفرنسية، وهي مفرغة بقالب عربي جزل التراكيب، رشيق الألفاظ، بديع الأساليب، إلا أنها لم تطبع، 3 ـ قصة (تلماك)، وهو تعريب كتاب (فينلون الفرنسي) اللغوي، وهذه لم تطبع أيضاً.

شعره: كان الشيخ حبيب مثل بقية أفراد البيت مطبوعاً على الشعر، وقد تعلق على النظم في أول أمره ومال إلى قرضه وتعمق بأصوله، ولم يتصل بنا شعره النفيس إلا ما ننشره هنا، وهو مرثية للبطريرك مكسيموس مظلوم الحلبي الشهير، المتوفى في الإسكندرية سنة 1855م، ومطلعها:

يسر المرء إقبال الليالي

وينسى أن ذلك للزوال

ويحسب أن في الدنيا خلوداً

ويجهل أن ذاك من المحال

غوى الصغراء والكبراء طرًّا

ولم يخطر لهم موت ببال

وكم من عبرة في كل يوم

تمر وليس فيهم من  يبالي

ترى أين الذين تقدمونا

ومن قد كان في الحقب الخوالي

رأينا الكل قد صاروا تراباً

وقد أضحوا  مواطئ للنعال

ومن كانت له الأرواح عرشاً

توسد حفرة في سوء حال

ومن  كانت له الأكباد قوتاً

غدا للدود قوتاً في الرمال

كذا الدنيا تزول ومن عليها

 (ويبقى وجه ربك ذو الجلال)

دع الدنيا الغرور وكن مجداً

كحبر الشرق في طلب الكمال

هو المظلوم في تاج رواه

وفضَّل عنه أكفاناً بوالي

لقد ضربت به الأمثال لما

غدا بين الرعاة بلا مثال

تُرى يأتي الزمان ببطريرك

يضاهيه بفعل أو مقال

فلو يفدى امرؤ يوماً بمال

فديناه بأرواح ومال

لقد فاقت على الأقطار مصر

غداة استودعت كنز النوال

ثوى في تربها بدراً منيراً

فقد حسدته أفئدة الرجال

رئيس كان في دنياه بحراً

فكانت تُجتنى  منه اللآلي

فعاش كما نؤرخه سعيداً

وفي الدارين قد بلغ المعالي

صفاته وأخلاقه: كان الشيخ حبيب معتدل القوام، رقيق البدن، أسمر اللون، حسن الهيئة، حاذق الفكر، سريع الفهم، قوي الذاكرة، شهماً وقوراً لبيباً.

مرضه ووفاته: أصيب بداء السل الذي انتقلت عدواه إلى بيتهم بواسطة زوج عمته راحيل، واسمه روفائيل الدقو، الحلبي الأصل، من سكان زوق مكايل، وكانت وفاته في أثناء مرض والده الشيخ ناصيف، وذلك في 31 كانون الأول سنة 1870م عن ثمان وثلاثين سنة إلا شهراً ونصف، فعجلت وفاته على والده، فمات إثر ذلك في 8 شباط سنة 1871م، وكان مأتم الشيخ حبيب عظيماً، فرثاه والده بالمرثية التي لم يستطع إتمامها لشدة حزنه وتلعثم لسانه بهذه الفاجعة الأليمة، قال فيها:

ذهب الحبيب فيا حشاشة ذوبي

أسفاً عليه ويا دموعي أجيبي

ربيته للبين حتى جاءه

 

في جنح ليل خاطفاً كالذيب

يا أيها الأم الحزينة أجملي

صبراً فإن الصبر خير طبيب

لا تخلعي ثوب الحداد ولازمي

ندباً عليه يليق بالمندوب

ومنها:

إني وقفت على جوانب قبره

أسقي ثراه بمدمعي المصبوب

ولقد كتبت له على صفحاته

يا لوعتي من ذلك المكتوب

لك يا ضريح كرامة ومحبة

عندي لأنك قد حويت حبيبي

ودفن في مقبرة الزيتونة في بيروت، وهي مدفن أسرته.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 281 ـ 282).

الأعلام