حسن الأمين
حسن الأمين([1])
(1910م)
هو ابن الإمام المجتهد المرحوم محسن الأمين الحسيني العاملي، وكفى به تعريفاً، ولد بمدينة دمشق سنة 1910م، ورضع ثدي الفضائل والعلم في مهده، ونشأ بكنف والده الإمام الأجل، أكمل تحصيله وتخرج في كلية الحقوق في الجامعةالسورية، وعين حاكماً لمحكمة النبطية في لبنان، ولما رأى ضميره لا يحتمل مداخلات السلطات الحاكمة آثر الانطلاق من أغلال الوظيفة، فاستقال من القضاء، وكان لاستقالته دوي وتأثير بالغ في جميع الأوساط، ثم دخل ميدان الأعمال الحرةوزار البلاد الأوروبية والأمريكية لمشاهدة معالمها وآثارها وحضارتها.
وطنيته: عرف منذ نشأته بحماسته الوطنية، وقاد المظاهرات طالباً في الثانوية، ثم في الجامعة ضد سلطات الانتداب، وقد اشتهر بأنه كان من أركان النضال القومي في لبنان، وله مواقف مشهورة يوم اعتقلت السلطات الفرنسية رئيس جمهورية لبنان ورئيس وزرائه، وكان إذ ذاك حاكماً في النبطية، فأشعل فيها ثورة عاصفة، ولما احتلتها الجنود اعتصم بدار الحكومة وأبى الاتصال بالمحتلين، وأعلن مقاطعته لهم، ثم انتهى الأمر بعد ذلك بما هو معروف.
آثاره الأدبية: له ديوان شعر مخلوط جمع فيه ما قاله من قصائد في المناسبات الواقعية، وألف كتاباً (في الدروب الغربية)، وهو وصف لرحلاته في أوروبا وأمريكا، و(في الدروب العراقية) يصف به رحلاته إلى العراق، وكتاب (دراسات أدبية)، وهذه الكتب لم تطبع بعد، وقد انصرف بعد وفاة والده الإمام الجليل إلى إتمام رسالته، فعكف على مؤلفاته المخطوطة يحققها ويخرجها، ولا يزال يعمل بهمة ونشاط.
أدبه: هو شاعر مطبوع، ورث الأدب عن أبيه الإمام وأجداده الأعلام، وليس هو إلا فيضاً صافياً من بحرهم، ونفحة عاطرة من زهرهم، تزخر قريحته بالروائع من أشعار العرب، ملهم في شعره، تدل قوافيه على تضلعه في اللغة العربية وبلاغة وصفه وروعة أسلوبه، وهذه قصيدة من شعره الجيد نظمها وهو على عباب البحر المتوسط بطريقه إلى أوروبا يصف بها وحشته ويتذكر أحبابه وقد ضاقت بنفسه الدنيا، فيقول:
ذكرتكم والهم في الليل مركب | ونفسي على جمر الغضا تتقلب |
ومن دوننا بحر إذا سار موجه | تخال الجبال الراسيات توثَّب |
أأحبابنا نمشي على الهم بعدكم | ونألف أشجان الحياة ونصخب |
وعهدكم ما لان في البعد عهدنا | بلى إنه في البعد أمضى وأصلب |
تطالعنا الذكرى على كل وجهة | فندنو إن شط المزار ونقرب |
ومنها:
أأحبابنا النائين لا كانت النوى | ولا كان يوم عنكم نتغرب |
ذكرتكم والبحر بيني وبينكم | فكدت لذكراكم من الوجد أنحب |
ورغم ما لقيه هذا الشاعر من حفاوة وتكريم في بلاد الأرجنتين فإن حنينهإلى وطنه قد بلغ مداه، وفي قصيدته البديعة بعنوان (على ضفة بارانا) يصف ما شاهده من جمال رائع ومناظر خلابة فيقول:
يا قلب روعك النوى ما روعا | تغفو على سفر وتصحو مزمعا |
في كل يوم فرقة لو أنها | مرت على قلب الصفا لتصدعا |
طال النوى يا ويح أيام النوى | ما كان أقساها علي وأوجعا |
كم لذت بالبدر المنير أبثه | شكوى النوى لو أنه يوماً وعى |
ولكم أطفت على الضفاف مناجياً | ولكم لجأت إلى الصبا متضرعا |
وتفجر القلب الجليد تشوقا | واستسلم العزم الأبي توجعا |
والليل كم عريت فيه عواطفا | موَّجتها لولا التجلد أدمعا |
حييت (بارانا) المرقرق والدجى | بغلائل القمر المنير تبرقعا |
وسلاسل الأنوار مرت مثلما | مر الخيال الحلو ليلاً مسرعا |
والساهرون مضوا على غلوائهم | يتمايلون على الشواطئ رتعا |
والساهرات كأنهن كواكب | منشورة أو كن منها أسطعا |
أشواطئ (الباران) ما أزكى الربا | وشى الربيع صدورهن فأبدعا |
تلك الخمائل قد ذكرت بحسنها | حسناً بدجلة كان أزهى مطلعا |
إن رفت الأشجار حولك غضة | وترقرق النهر الخصيب وأمرعا |
وطلعت بالحسن المدل كأنما | شطاك بالغيد النواهد رصعا |
فلقد أثرت بي الحنين وطالما | حن الفؤاد لدجلة وتطلعا |
أنا إن هفوت إلى رمالك ساعة | وشممت عرف نسيمك المتضوعا |
لم أنس دجلة والهوى ولياليا | كانت ألذ من النعيم وأمتعا |
ذاك النخيل على الضفاف كأنه | سرب الحسان على الضفاف تجمعا |
أطلقن للنسمات خضر ذوائب | وأبحن للأطيار ثغراً أمنعا |
حييت (بارانا) تحية شاعر | يهوى الجمال ويستجيب إذا دعا |
النهر والروض النضير سميره | والطير بالشجو المنير مرجِّعا |
والسحر في نجل العيون وفي اللمى | والطهر في الخد الأسيل مشعشعا |
أشواطئ ـ الباران ـ حسبك في الهوى | أني شربت هواك جاماً مترعا |
كم قد لويت عن الغرام أعنتي | وثنيت طرفي عن رؤاه ترفعا |
يا غادة ـ الباران ـ أذكيت الهوى | لولاك هذا القلب ظل ممنعا |
إن ضاق فهمي عن لغاك فإنما | قلبي يعي ما كان قلبك قد وعى |
أشجى الأغاني ما يردد حبنا | أشهى الأماني ما نعيش لها معا |
قلب ببارانا وشاطئ دجلة | ما زال في الحب العنيف موزعا |
* * *