جاري التحميل

حسني باقي

الأعلام

حسني باقي([1])

إلى مؤلف (منهاج الأرب في تاريخ العرب)

الذي أعجب ببلاغة مواضيعه أوسكار الأول ملك الأسويج فاحتفظ به بين النفائس في خزائنه الملكية.

إلى أول وطني في القومية العربية خطت يده رسالته الخالدة في (القضية الصهيونية) وأوضح مراميها وأيقظ الغافلين لدرء أخطارها ومكافحتها.

إلى روح المرحوم حسني باقي حفيد السراة عبد الباقي مؤسس الأسرة، وناصر باقي صاحب الأوقاف الخيرية الشهيرة، وأحمد باقي باني القلاع والحصونالحربية في مناطق السويدية وكسب والبسيط، وأحفادهم الذين كانوا موضع تتمة سلاطين آل عثمان القادة الصناديد العظام شوكت باشا، ورشيد باشا، والفريق علي باشا، والمشير اللواء وصفي باشا، والمشير إسماعيل حقي باشا آل باقي رحمهم الله.

إلى الوطني العامل الحاج نجيب باقي الذي أسهم بالنهضة العربية مع المغفور له الملك فيصل، وقدم للمجتمع أجل الخدمات الثقافية والإنسانية، فأسس دار الأيتام الإسلامية بحلب، فتخرج منها جيل كامل.

إلى أحفاد صاحب هذه الترجمة أهدي هذه الحلقة الأدبية.

*  *  *

حسني بك باقي

(1843 ـ 1907م)

لقد أنجبت أسرة آل باقي الحلبية أفذاذ الرجال من قادة وعلماء وسراة، وكان سلاطين آل عثمان يثقون بهم لصدقهم وأمانتهم، ولابد لنا في هذه المقدمة الوجيزة من التحدث عن بعض أعلامهم، فالجد الأعلى لهذه الأسرة هو عبد الباقي آغا، وكان من ذوي الثروة والوجاهة، وقد تعذر علينا تحديد تاريخي ولادته ووفاته، ومن أحفاده المرحوم ناصر آغا باقي صاحب الأوقاف الخيرية الشهيرة، والمرحوم أحمد بن عبد القادر بن عبد الباقي بن علي بن ناصر بن عبد الباقي الذي أنشأ القلاع والحصون الحربية في جهات السويدية وكسب والبسيط، وقد توفي سنة 1869م، ونقش على لوحة قبره ثلاثة أبيات جاء في الشطر الأخير منها (في جنة الفردوس يرقد أحمد)، وهو تاريخ وفاته، ومن أحفاده المرحوم شوكت باشا باقي الذي صار شيخاً للحرم النبوي الشريف، وقد أعقب عدة أولاد نزحوا عن حلب إلى الأستانة وغيرها، وتولوا أسمى المناصب، منهم رشيد باشا باقي رئيس شورى الدولة العسكرية، وهو جد الفريق علي رضا باشا، وأمير اللواء وصفي باشا، والمشير إسماعيل حقي باشا الذي كان مشيراً للجيش الخامس في الشام سنة 1903م، والمتوفى في الأستانة سنة 1909م، وقد انقطعت أخبارهم عن أهلهم وذويهم، ويتمتع الأحياء من هذه الأسرة الكريمة بالثراء والمكانة الاجتماعية البارزة.

أصله ومولده: هو المرحوم حسني بك بن الحاج أحمد بن عبد القادر آغا باقي، المنحدر من أسرة حلبية عريقة في المجد والوجاهة، بزغ نجمه في الخامس عشر من شهر ذي الحجة سنة 1259ﻫ ـ 1843م، تلقى العلوم الدينية والصرف والنحو والإنشاء واللغة التركية على أعلام عصره، وعني والده بتثقيفه لفراسته وذكائه، وأتقن اللغة التركية والفارسية والإيطالية.

في خدمة الدولة: كان المرحوم إلى جانب ثقافته العالية ذا ذكاء وفطنة، فلازم في ديوان مجلس ولاية حلب، وترقى إلى رئاسة ديوان تمييز الولاية، ثم صار عضواً فيها، وبعدها انتسب إلى الإدارة فعين قائم قام لقضاء بيره جك.

في مجلس المبعوثين: وفي عهد السلطان عبد الحميد انتخب نائباً عن حلب، واهتم بوضع مواد قانون البلديات، وكان له الفضل بإخراجه، وانتفعت البلاد من تطبيقه في الشؤون العمرانية، وكانت آخر وظيفة أسندت إليه عضوية هيئة التحقيق بنظارة الضابطة، وأحيل على التقاعد سنة 1894م.

اشتغاله في الزراعة: عاد إلى الإسكندرونة وقام بتطبيق الزراعة على الفن الحديث في أملاكه الواسعة الكائنة في ناحية أرسوز.

علمه: كان عالماً ذا ألمعية ودراية وحنكة في تصريف الأمور، فاعتمدته الحكومة العثمانية في كثير من المهمات، فأداها بأمانة وإخلاص وتوفيق، كان منشئاً أديباً باللغة العربية، أما في اللغة التركية فيعد في طليعة كتابها وأدبائها، وكان عليماً باللغات الفرنسية والإيطالية والفارسية والعبرانية والأرمنية، وقد اهتم بدراسةاللغة الأخيرة إثر الثورة الأرمنية.

مؤلفاته: كان مولعاً بجمع الكتب المفيدة، فاقتنى مكتبة نفيسة كلفته مبالغ كثيرة، ومن مؤلفاته القيمة (منهاج الأرب في تاريخ العرب)، وقد احتفظ ملك الأسويج أوسكار الأول بنسخة من هذا المؤلف المخطوط في خزانته الملكية، وله مؤلفات كثيرة في اللغة التركية، ورسالة أوضح فيها القضية الصهيونية قديماً وحديثاً، والوسائل الواجب اتخاذها لمكافحتها، وأيقظ الغافلين لدرء أخطارها، ونالت هذه المؤلفات استحسان السلطان عبد الحميد وتشجيعه للمترجم.

احتراق مكتبته: وشاءت الأقدار أن تذهب المكتبة النفيسة التي بذل جهداً كبيراً ومالاً وفيراً في سبيل جمعها ضحية النيران، فقد حصلت في الإسكندرونة في شهر شباط 1917م ثورة إثر الحوادث الأرمنية، فاحترقت داره مع منقولاته، وكانت الخسارة فادحة باحتراق المكتبة التي تعتبر تراثاً له قيمته العلمية لما فيها من المخطوطات النادرة.

جهوده العمرانية: كان يعير الأمور العمرانية اهتمامه، فقد أشاد في الإسكندرية وحيفا مدارس ابتدائية ورشدية، ووقف في الإسكندرونة على ذريته عقارات كثيرة أشفعها بوقف ثان ليصرف في وجوه البر والإحسان، وأشاد الجسور الكثيرة بين حلب والإسكندرونة وبينها وبين عينتاب.

صفاته: لقد تحلى بمواهب وميزات باهرة، يكره الكبر والخيلاء، فإذا غضب عاودته سماحته، قوي الإيمان، عزيز النفس، سديد الرأي، ومن أبرز سجاياه أنه كان متعصباً لقوميته العربية، وهذا ما حال بينه وبين أسمى الوظائف في العهد العثماني الاستبدادي بالرغم من سعة علمه وفضله، وكان رسولاً مخلصاً للنهضة العربية، يدين بالطريقة اللامركزية.

وفاته: لقد كان يهتم بإدارة أملاكه وزراعته، وبينما كان ممتطياً جواده وعائداً من هضبة (قلب أو) مركز ناحية أرسوز جمح به جواده، فأصيب برضوض وجراح خطرة، فنقل إلى الإسنكدرونة للتداوي، وفي اليوم الثالث عشر من شهر شوال سنة 1325ﻫ و7 تشرين الثاني سنة 1907م وافته المنية، وكان الأسف عليه عظيماً، ودفن في مدفنه الخاص الواقع بقلعة الصغيرة بالإسكندرونة. وأنجب سامي، وعبد العزيز، وثريا، ورشدي، وأحمد إقبال.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 9 ـ 11).

الأعلام