جاري التحميل

حسين شاشيط

الأعلام

حسين شاشيط([1])

عندليب الشام الفنان المرحوم حسين شاشيط

أصله ونشأته: هو المرحوم حسين بن محمد علي شاشيط، ولد بحي الميدان بدمشق سنة 1861م، وأراد الله أن يؤتيه خيراً فاعتنى به علامة الشام الأكبر المرحوم الشيخ عبد الرزاق البيطار الذي توسم فيه النجابة والذكاء، وعاش بكنفه كأحد أولاده فأحسن تربيته وتثقيفه، ولما بلغ أشده أعطاه وصفة لصنع (العطوس)، فأجاد تركيبه، وتهافت الناس على شرائه حتى اشتهر أمره في الأقطار العربية (بالعطوس الشاشيطي)، وبارك الله في رزقه من بيع هذا الصنف، فتحسنت أحواله المالية وأشاد بيتاً، فقضى وعائلته حياة رضية هادئة.

فنه: لقد حباه الله موهبة عز نظيرها، وهي جمال الصوت، تلقن الفن وأصوله على المرحوم الشيخ عبد الرزاق البيطار، فكان من أفراد حلقته الفنية، ومنهم الشيخ عبد الرحمن القصار، والشيخ عبد الرحيم البابلي، وعيدو العش، وجميل الإدلبي، وتوفيق الحسيني، والشيخ عبد الرحيم الصفح، ومحمد أبو حرب، وغيرهم من الفنانين رحمهم الله.

كان المترجم ذات صوت رخيم شجي، عليماً بقوافي الفن وأوزانه، إذا غنى أطرب وأبدع، يهوى الفن ويأنس بلقاء الموهوبين، وقد طاف البلاد العربية وأدى فريضة الحج، وله في ذلك مواقف طريفة.

رحلته إلى مصر: كان مفتوناً بفنون الموسيقار المرحوم الشيخ يوسف المنيلاوي، فأزمع السفر إلى مصر خاصة للتعرف عليه والاجتماع به وسماع مغناه، ورافقه في رحلته هذه الوجيه الميداني المرحوم سليم آغا أبو جيب، وكان غاوياً يحب السماع، ولما وصلا إلى القاهرة ركبا في صباح اليوم الثاني عربة أقلتهما إلى دار المنشد المنيلاوي، فلما قرعا باب داره خرج إليهما رجل يلبس ثوباً فضفاضاً وبيده مقرض يقلم به الورود والرياحين المنتشرة في حديقة داره، فسألاه عن الشيخ المنيلاوي ورغبتهما بمقابلته، وأنهما حضرا من الشام إلى مصر بغية الاستماع إلى فنه، فأكبر الفنان المنيلاوي رحمه الله هذه العاطفة، وأن تكون شهرة صوته وفنه قد دفعت بالمترجم الغاوي ورفيقه فتجشما عناء السفر إلى مصر للاجتماع به، ورأى المنيلاوي أن تكمل عناصر المفاجأة وروعتها بالنسبة للزائرين الغريبين، فكتم أمره ولم يعرفهما بنفسه، وقال لهما: سأبلغ رغبتكما إلى الشيخ يوسف ودعاهما لمقابلته في صباح اليوم الثاني، وظن الفقيد أن مخاطبه ربما كان خادم الشيخ، وفي اليوم الثاني حضر المترجم مع رفيقه سليم آغا أبو جيب فطرقا الباب، فاستقبلهما الشيخ يوسف بذاته وأدخلهما إلى قاعة كبيرة، وكان فيها جميع أفراد فرقته الفنية، وعرفهما بنفسه، واتضح لهما أن الذي كلمهما في اليوم الأول وظناه خادم البيت هو الشيخ المنيلاوي بعينه، فأحاطهما بالحفاوة والإكرام وقال لهما: لا شك بأنكما من أبناء الفن، ثم مسك الرق ونقر عليه وغنى من أدواره المشهورة، ولما انتهى طلب منهما أن يسمعاه صوتهما، فاعتذر سليم آغا أبو جيب بأنه غاو ومستمع، وأنشد المرحوم المترجم هذه القصيدة، وهي من ألحان المنيلاوي المشهورة المسجلة:

إن شكوت الهوى فما أنت منا

احمل الصد والجفا يا معنى

إلى أن قال:

ما عشقناك للصفات ولكن

نحن قوم إذا نظرنا عشقنا

فبدا على المنيلاوي العجب والطرب من روعة صوته وإجادته ورزانته، وقال للمترجم (أتيت لمصر لتسمعني وبين أدنك وفمك كده)، وأشار بإصبعه إلى قصر المسـافة بيـن الأذن والفـم، وقال: ما دمت حضرت إلى مصر فحرام أن لا يسمعك أهلها، ودعاه إلى المسرح الذي يشتغل به، فغنى الفقيد الأبيات التالية:

خذوا فؤادي أسيراً في محبتكم

يا سائرين وفيكم قرَّة المقل

أفديه بدر لساني ليس يذكرهم

خوف الوشاة وقلبي عنه لم يحل

يظن بالبعد أسلو حسن طلعته

لا والذي قد براه بغية الأمل


واستقام المترجم مدة أسبوع في مصر كان خلالها موضع حفاوة وإعجاب أهل الفن فيها.

كان رحمه الله يتقن حفظ المغنى المصري الدارج في عهده كفناني مصر، ولو أراد الاحتراف لبلغ ذروة المجد الفني، ولكن التقاليد الاجتماعية في بلادنا تحول دون ذلك.

ثم زار مصر مرة أخرى برفقة أستاذه وسيده عمدة الإسلام العلامة الشيخ عبد الرزاق البيطار والأمير محيي الدين الجزائري، وقابلوا الخديوي توفيق باشا، وغنى في حضرته بعض القصائد، وحاز صوته الإعجاب والاستحسان، واجتمع الفقيد بأقطاب الفن، منهم الموسيقار الشهير عبده الحمولي، وتحاورا بالفن وتناجيابالمغنى والإنشاد كما تتناجى البلابل.

أوصافه: كان الفقيد شهماً عفيفاً ورعاً، تدل قسمات وجهه على طيب سريرته وشرف نفسه، وقد اكتسب من مواهب مربيه الشمائل الحميدة.

وفاته: أصيب الفقيد بالحمى التي كانت منتشرة في أيام الحرب العالمية الأولى، ودام مرضه مدة عشرة أيام، وفي يوم الثلاثاء الواقع في 14 جمادى الأولى سنة 1335ﻫ و1917م انتقل إلى رحمة ربه، ودفن بتربة باب مصر وراء مدفن هولو باشا العابد.

*  *  *

 



([1])   (أ) (1/ 263 ـ 264).

الأعلام