جاري التحميل

حسين فطاني

الأعلام

حسين فطاني([1])

(1915م)

يا مصر زدت على الخلود خلودا

وبنيت صرحاً للعلاء مشيدا

وكتبت للأجيال سفراً خالداً

ضم البطولة والكفاح مجيدا

شهداؤك الأبرار في جناتهم

بدمائهم كتبوا لك التخليدا

ورجالك الأحرار في تفكيرهم

شقوا الطريق إلى الفلاح سعيدا

وجنودك الأبطال في عزماتهم

طبع الحديد صلابة وصمودا

والأخضر الميَّاس هزَّ قناته

ورمى فوافق رميه التسديدا

وشباب مصر كتائب وجحافل

عاشت لمصر معاقلًا وزرودا

يتحرقون إلى الوغى في لهفة

شرف الجهاد يزيدها توحيدا

والطفل إي والله يلهب حسه

وقع الرصاص صواعقاً ورعودا

يلهو بمدفعه الصغير محلقاً

ومقلداً بهتافه البارودا

ويرى مغيرات العدو فينتشي

بسقوطها ويزفها تهديدا

فالشعب جند والجنود أشاوس

والكل يبغي أن ينال خلودا

 هو الأستاذ حسين بن الشيخ داود فطاني، من أفاضل الحجاز وأثريائها، ولد في مكة سنة 1915م، وتلقى دراسته في مدرسة الفلاح في مكة وتخرج منها.

إيفاده: امتاز المترجم بذكائه ونجابته، فأوفدته الحكومة في أول بعثة ثقافية سعودية لتلقي العلم في مصر، فالتحق بمدرسة دار العلوم ونال شهادتها، ولما عاد إلى الحجاز عين مدرساً للأدب العربي بمدرسة تحضير البعثات.

خدماته: انتسب إلى السلك السياسي في وزارة الخارجية السعودية، فعين سكرتيراً في السفارة السعودية بمصر، ونائباً للقنصل العام فيها، وأهلته مواهبه فما زال يرتقي حتى نقل إلى وزارة الخارجية بجدة برتبة مستشار.

مواهبه الأدبية: كان منذ صغره مولعاً بدراسة اللغة العربية وآدابها، وقد حفظ الكثير من أشعار العرب المختارة، وهو راوية وأديب محدث ممتاز، وقد تمكن من اللغة العربية والتضلع بقواعدها حتى امتلك نواصيها، وهو شاعر مجيد طرق أبواب الغزل والمديح بأسلوب بديع،  ونشر كثيراً من قصائده في الصحف والمجلات، ومن نظمه قصيدة عامرة بعنوان (ملحمة الخلود)، وصف بها اعتداء المستعمرين على مدينة بور سعيد أيام العدوان الثلاثي الغاشم، وجعلها رمزاً للبطولة والنضال وشعاراً للتضحية والجهاد، نقتطف منها قوله:

وأبدع في مناجاته مصر التي صانت مجد العروبة بنضالها الخالد بنفثات عبرت عما يتحلى به المترجم من وطنية مثلى وإخلاص لقوميته العربية، ودلت على أسلوبه الوصفي البليغ فقال:

يا مصر منت على العروبة مجدها

وحفظت ودًّا وادخرت جهودا

وأقمت للشرق الحبيب مهابة

وجعلت عيش العالمين رغيدا

وإذا الشعوب استبسلت وتوحدت

نالت بروح كفاحها المقصودا

حمد السلام ببور سعيد صباحه

فكأنما ولد السلام  جديدا

قد سجل التاريخ أروع قصة

مرُّ الدهور يزيدها تمجيدا

إن المترجم الشاعر هو في سن الشباب، وهو رغم انهماكه بأعباء منصبه السياسي فإن الروح الأدبية قد طغت على إحساسه النبيل، وسيكون لهذا الشاعر الملهم الموهوب أبلغ الأثر في قوة أسلوبه إن استمر إنتاجه على هذا النمط من الروعة في ديباجته الشعرية المشرقة.

اقترن صاحب هذه الترجمة بكريمة فخر السعوديين بمكارمه وفضائله سعادة الشيخ عبد الحميد الخطيب الوجيه والعلامة المؤلف، والشاعر العبقري في قصائده الخالدة، الذي أذكت ربوع دمر الجميلة وخمائلها الخلابة روحه الشعرية،فجادت قريحته بروائع القريض.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 514 ـ 515).

الأعلام