جاري التحميل

حليم دموس

الأعلام

حليم دموس([1])

(1888 ـ 1957م)

انحدرت أسرة (دموس) من عائلة عيسى، وأصلها من (الكرك والشوبك)، نزحت إلى الظهر الأحمر في أول القرن السابع عشر، وتفرع منها ثماني أسر، منهم بنو دموس، وأول من جاء زحلة منهم دموس بن يوسف عيسى منذ سنة 1770م، ثم تبعه أبناء عمه بأوقات مختلفة يتاجرون يومئذ بالقطن، وقد هاجر معظمهم إلى أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا منذ ابتداء الهجرة، ولهم تجارة واسعة وعددهم كبير.

ولد الشاعر المترجم في زحلة سنة 1888م، وتلقى دراسته في الكلية الشرقية في زحلة، ومن أساتذته المرحوم عيسى إسكندر المعلوف، وقد ساهم في تحرير جريدة المهذب.

مواهبه الأديبة: له نزعة خاصة في الشعر، وقد نظمه وهو في العاشرة من عمره قبل أن يتعلم أصوله ويدرسه، ولوالده الفضل الوافر في توجيهه إلى الشعر وصرف طبعه إليه، ولما شب كان لا همَّ له إلا التعرف بعلماء العصر ومجالستهم ومذاكرتهم ومباحثتهم ومطالعة كتب العلوم والآداب.

وهب الله هذا الشاعر المطبوع قريحة حافلة برياض الأدب العربي تدل على جهاده الأدبي المتواصل، وللظلام فضل على قريحته، فكان إن شاء نظم قصيدة عمد إلى قلم رصاصه وعدة ورقات بيضاء ووضعها تحت وسادته عند ذهابه إلى النوم، فإذا ساد السكون في غرفته واشتد سواد الليل صفا خاطره وانطلقت قريحته، وتوافدت عليه المعاني، وأطاعته القوافي، فيختار منها ما يريد، ولم ينظم قصيدة إلا ولظلمة الليل منها النصيب الأول، وكذلك فإنه يحب العزلة والابتعاد عن كل أمر مؤلم.

آثاره: لقد أخرج سلسلة من التآليف، منها: 1 ـ ديوانه المسمى (ديوان حليم)، وهو ما نظمه من سنة 1905م إلى 1920م، أما قصائد التهنئة والمراسلات فقد حفظها في مجموعة على حدة سماها: 2 ـ(صدى الجنان)، وله 3 ـ مجموعة شعرية بديعة مصورة بعنوان: المثالث والمثاني، وأصدر 4 ـ رباعيات وتأملات، وهي مجموعة شعرية نثرية أخرجها تباعاً في عشرين جزءاً، تحوي أقوالاً بليغة وقصائد حكمية فيها عبرة وذكرى مستمدة من صميم الحياة ومن التجارب التي مرت بالشاعر الثائر على النظم العقيمة والتقاليد البالية.

ونظم ملحمة كبيرة ضمنها بطولة العرب وآثارهم وفتوحاتهم ومدنيتهم، وتعتبر فتحاً جديداً في الأدب العربي.

شعره: إن من يطلع على منظوماته يدرك مدى عبقريته في ميادين الأدب، وقد وهبه الله مزايا فاضلة في الأنس والمعشر، فقد حضر جلسة أنس وطرب وكانت فيها السيدة نجلا مطران ونخبة أدباء زحلة وشعرائها وسيداتها، فانتهز الشاعر سكوت المطرب عن الإنشاد وخاطبها بقوله:

يا بنت مطران وأخت أماجد

هذي النفوس بزحلة تفديك

قولي لرب الصوت أن يشدو لنا

(فتكات لحظك أم سيوف أبيك)

وهو مطلع قصيدة مشهورة لمحمد بن هانئ الأندلسي.

رحلته إلى البرازيل: وفي تشرين الثاني سنة 1905م كان في طريقه إلى البرازيل حيث زار أبناء عمه، وأقام مدة ثم عاد إلى وطنه، وفي ديوانه قصائد كثيرة بوقائع رحلاته.

لقد اشتهر هذا الشاعر بحبه وإخلاصه للأسرة الهاشمية، فلما اجتاح الفرنسيون البلاد السورية وغادر الملك فيصل الشام ليلاً بقطار خاص مساء الثلاثاء في 27 تموز سنة 1920م ووجهته درعا مع أخيه الأمير زيد، جادت قريحته بقصيدة خالدة بعنوان بين غرناطة والشام، نقتطف منها هذه الأبيات:

أضاعوه وكان فتى هماما

أأضاعوه وكان فتى هماما

وبالأوطان صبًّا مستهاما

(أضاعوه وأي فتى أضاعوا)

(أضاعوه وأي فتى أضاعوا)

أضاعوا القلب والبدر الحساما

أضاعوه وكان لهم وفيّا

أضاعوه وكان لهم وفيا

فما ذكروا الوفاء ولا الذماما

ومنها:

أبوا إلا الوغى جهلاً وضجُّوا

أمام القصر يبغون الصداما

أثار الحرب عن قسرٍ فلما

تشتت جيشهم هاجوا انتقاما

فما عذروا ولا ذكروا جهاداً

ولا مجداً بناه ولا مقاما

فودَّع في الدجى تاجاً وعرشاً

ومملكة وآمالاً جساما

وقفت أسائل الآثار عنه

فكان سكوتها عندي كلاما

أناجي قصره والدمع هامٍ

على الخدين ينسجم انسجاما

أناجيه ولي طرفٌ قريح

إذا جن الدجى عاف المناما

فذكرني بأندلسٍ وعرشٍ

تزعزع بعد ما راع الأناما

وذكرني ذرى الحمراء شمّا

وعزًّا في جوانبها أقاما

وذكرني هشاماً وهو يبكي

عُلًا ذهب اختلافاً وانقساما

ورثا الشاعر حليم دموس الملك حسين فقال:

منقذ العرب طواه الموت طيًّا

رحم الله الحسين الهاشميّا

ضجت القدس أسىً واستقبلت

خير نعش ضمَّ فرعاً نبويّا

فحوى الأقصى بقايا ملك

روَّع الشرق لمنعاه شجيّا

عاش حرًّا وطنيًّا وقضى

في سبيل المجد حرًّا وطنيّا

وختمها بقوله:

لم يغب ليث الشرى عن غابه

فهو في أشباله ما زال حيّا

كان في حياته منتسباً إلى طريقة الدكتور داهش الدينية، وكان من دعاتها الأوائل، وقد سجن وشرد من أجلها، ثم انحلت هذه الطريقة بمطاردة معتقديها.

وفاته: وفي يوم الجمعة 27 أيلول سنة 1957م وافاه الأجل، ونقل جثمانه إلى زحلة، واحتفل بتشييعه إلى مقبرة الطائفة الأرثوذكسية، وروت بعض الصحف أن المترجم قد أوصى أن يدفن على الطريقة الداهشية في مقبرة الداهشيين في قرية جونية.

*  *  *

 



([1])   (أ) (2/ 402 ـ 403).

الأعلام