راغب الشحفة
راغب الشحفة([1])
النبل والكرم في روح العصامي الكبير السيد راغب الشحفة.
ما أجمل أن يكون الإنسان مطواعاً للخير، فينساق مع طباعه الحميدة ومقاصده النبيلة فلا يتأثر بالعاطفة، بل يكون العقل الراجح قائده، والرأي الثاقب إلى المكرمات رائده، أجل: إذا اختلفت عناصر البشر فكان منهم رجال وأشباه رجال، فذلك مردُّه للبيئة الأهلية الوراثية والاجتماعية وكرم الأخلاق، تلك المناقب التي خصها الله بالرجال الذين يلبون طوعاً ونبلاً نداء السبق إلى ميدان الأريحية والكرم، وحرمها أشباه الرجال الذين يتنكرون للناس ويختفون من الميدان، فتسوقهم غرائزهم إلى الدس والشر، ولعمري فالفارق بين عنصرين متناقضين في المثاليات جد عظيم.
ساق المؤلف هذه المقدمة في صحيفة المفضال السيد راغب الشحفة المشرفة بمناسبة وقعت له معه خلال رحلته إلى البرازيل، فقد ترامى إلى سمعه دعايات رددتها ألسنة بعض السخفاء ضد المؤلف، فوجم في الأمر وفكر، ثم لبى نداء ضميره الحي وخذل من دس وتنكر.
لقد كان لموقفه الحسن تأثير بليغ في نفس المؤلف، وأيقن أن الطبيعة مهما شحَّتْ، فإن المروءة والشهامة تتجسم في شعور الرجال ذوي النفوس الكبيرة، وتنعدم في نفوس أشباه الرجال في مراحل هذه الدنيا الفانية، فالرجال يعلمون أنفسهم وأقدارهم، وينظر الدهر بالتيه والإعجاب إلى نبل مقاصدهم، وأشباه الرجال تفضحهم معادنهم الرخيصة مهما استعلوا وأثروا وشمخوا، إذ ليست العبرة للمادة، فهي مهما تضخمت فإنها لا تصقل الأخلاق والأرواح، فقد أثبت علماء النفس أن منابع الخير تنساب من نفوس ذوي الأصالة والمجد، فينهل من وردها الصافي الظامئون، ولولا نبل هؤلاء العناصر الكريمة لما سعدت البشرية بالمؤسسات الثقافية والخيرية كالمعاهد والملاجئ والمياتم والمصحات والمشافي والأندية.
فإليك أيها الشهم النبيل أسمى الشكر والإعجاب بمناقبك الحميدة، فقد كنت متواضعاً فلم ترغب بنشر صورتك الغراء في هذا السفر التاريخي وهي أجدربالنشر ليقتدي ويحتذي بك من تهالك على حب الشهرة والتمجيد.
أما رسمك هذا الذي ازدان به مؤلفي، فقد حصلت عليه من شقيقك الفاضل السيد شحود شحفة في حمص، تلك الأسرة التي اشتهرت بطيب الأرومة والفضيلة.
ولد السيد راغب بن المرحوم اسطفان الشحفي بحي الحميدية في حمص 1891م وعاش بكنف والديه في مهد العز والرخاء، تلقى دراسته في مدرسة الطائفة الأرثوذكسية ودعته العصامية فامتطى متنها وهاجر إلى البرازيل سنة 1904م وأقام في سان باولو يتعاطى التجارة.
وفي شهر كانون الأول سنة 1922م اقترن بالآنسة الكاملة الصفات (آديل بنت نجيب قربي) من حمص وهي مولودة في البرازيل وأنجب خمسة أولاد وهم لورانس وعمره (29) سنة وقد درس الحقوق ثم ترك الدراسة ونجيب وعمره (24) سنة وقد نال شهادة الهندسة العالية و(راوور) وعمره (21) سنة وهو طالب في الجامعة. وابنته (جانيتي) وهي تدرس الآن.
تجارته: إن العصامية مرهونة بمدى السعي والجد والصدق والاستقامة وهذه المزايا متوفرة بهذا الثري المفضال الذي أطاع الله فغمره بنعمائه فكان ثريًّا بأخلاقه الفاضلة وبمواهبه الفذة وثريًّا في المادة بكفاحه وجبروت صدقه وأمانته.
يملك محلًّا تجاريًّا كبيراً في سان باولو للبيع بالجملة وآخر مثله للبيع بالمفرق يتسابق الزبائن والعملاء إلى محليه فيلقون منه كل لطف وإيناس وكرم.
ويملك من فضل ربه عمارة كبيرة في شارع 25 دي مارسو في سان باولو تدر عليه ريعاً كبيراً.
أما حياته الخاصة فعلى جانب عظيم من الرفه ورغد العيش، وهو سباق لكل مكرمة، فمبراته ومؤازرته المشاريع الخيرية والأدبية إحدى ميزاته الاجتماعيةالبارزة وهـو يشـكر الخالـق علـى نعمـه متمثلاً بقوله تعالى: ﴿ﭐﱠ ﱡ ﱢ﴾.
لقد ضن علي السيد راغب بالمعلومات عن تاريخ حياته تواضعاً وزهداً وتحدثت عن مآثر هذا الألمعي ودماثة أخلاقه في الوطن فتحمس الشاعر المجيد الأستاذ أحمد الجندي فارتجل يصفه:
أبداً أحن إلى الشباب الذاهب | وأتوق للعهد البعيد الغائب |
أيام كنت مع الصبا ألهو به | وأذوق خير لذائذ وأطايب |
فإذا جزعت ذكرت خير مؤمل | يرجى لكبح هوى الزمان الغاصب |
من آل «شحفة» سيد من سادة | جادوا فما ذكروا حساب الحاسب |
والجود إن ذهبت بوادر غيثه | فانهد إليه، فأصله من «راغب» |
* * *