رشيد عرفة
رشيد عرفة([1])
العندليب المتفنن بصوته الساحر المرحوم الشيخ رشيد عرفة
سقى الله عهداً تحن الخواطر إلى ذكرياته العذبة، فقد بزغ في سماء دمشق عنادل غردوا وناجوا أرواح الأموات بشجوهم العلوي الساحر، فكان أحدهم المرحوم رشيد عرفة تلميذ القباني الفنان الدمشقي المشهور والمنشد البارز في فرقته والمطرب الغريد في محافل الشام، لقد بذلت الجهد للوصول إلى صورته الشمسية فخاب الأمل وأكد لي الذين عاشروه أنه كان يراعي التقاليد ويكره التصوير، فلم يؤخذ له صورة في حياته بالرغم من تقدمه في السن وانتشار فن التصوير.
أصله ونشأته: هو المرحوم رشيد بن إبراهيم عرفة الدمشقي، ولد بدمشق بحي القيمرية سنة 1250ﻫ 1831م وكان يسكن زقاق النقاشات، نشأ بكنف والده فأحسن تهذيبه وتلقى علوم عصره، وسمع الناس لأول مرة صوته الرخيم لما عين مؤذناً في جامع بني أمية بدمشق، ثم أصبح بادئاً في النوبة المشهورة بنوبة الشيخ أنيس، فكان الناس يزدحمون بالمناكب لاستماع صوته البديع الصافي، وكان رئيس الإنشاد في المشهد السفرجلاني في جامع بني أمية.
وفي سنة 1270ﻫ انتسب إلى الطريقة المولوية في عهد شيخها المرحوم سعيد الأحمدي فكان رئيس المطربين والمنشدين في سائر الزوايا والتكايا الكثيرة بدمشق، ويضرب الإيقاع على النقرزان بشكل بارع، يحضر مع الفنانين المرحومين عمر الجراح ومحمود الكحال وعبد الله أبو حرب في حفلات الأفراح، فطارت شهرته واستفاض ذكره في الأقطار العربية.
فنه: لقد أسعده الحظ فكان من تلامذة المرحوم أحمد أبي خليل القباني ونهل من فنونه فأصبح بسحر صوته وفنونه محط أنظار المجتمع، كان حافظاً للتراث القديم من الموشحات بنوع خاص ويعرف بعض الأوزان، أما رقص السماح فلا علم له بفنونه، مع أنه كان بين أساطينه في ذلك العهد، وربما كانت لحيته الطويلة وقامته القصيرة محط الأنظار فكان ذلك من العوامل التي أدت إلى عدم هوايته به.
سفره إلى الأستانة: سافر المترجم إلى استانبول ونزل عند أحمد عزت باشاالعابد وأقام مع المرحوم عمر الجراح العازف المشهور مدة سنة وأنشد أمام السلطان عبد الحميد بعض القصائد التي تناسب المقام فأحسن مثواه، ثم ذهب إلى مصر وأقام فيها أربع سنوات من أجل الفن، ولم أستطع تحديد تلك السنين وما إذا كان اجتمع بإستاذه العظيم القباني بعد نكبته الأولى ونهب مسرحه بدمشق وسفره مع فرقته التمثيلية إلى مصر، أو كان سفره إلى مصر بعد نكبته الثانية وإحراق مسرحه في القاهرة وسفر القباني إلى استانبول، وهذه ناحية تعذر معرفتها بالنظر لوفاة رفاقه الذين يعرفون تفاصيل الوقائع، إلا أن المترجم اجتمع حتماً بالقباني بعد عودته الأخيرة إلى دمشق.
أحواله وأوصافه: كان يهوى الفن والطرب إلى حد بعيد يتهافت الناس لسماع صوته الباهر وفنه الرائع دون أن يتغلب عليه الزهو والغرور، فقد كان يعلم أن موهبة صوته لقمة يجب أن تكون مشاعاً بين البشر، وقد آثر أن يبقى عازباً دون أن تعكر صفو حياته تبعات العائلة والأولاد وعاش (85) سنة قضاها بالعز والتكريم فكان حسن الصوت ولم يفقد من عناصر صوته ونبراته الشجية ورخامته أية مزية إلى أن وافاه الأجل المحتوم، وكانت هذه الناحية لها أعظم الأثر في حياته الطويلة التي قضاها بين الطرب والحفلات الرائعة بعز وصفاء مقرونين بإعجاب الناس وتقديرهم لمواهبه. كان رحمه الله قصير القامة مدور الوجه حنطي اللون.
وفاته: وفي يوم السبت الواقع في 8 جمادى الأولى سنة 1907م انتقل إلى رحمة ربه ودفن في مقبرة باب الصغير.
* * *