جاري التحميل

رضا صافي

الأعلام

رضا صافي([1])
(1907م)

انحدرت أسرة (آل صافي) من المدينة المنورة وهي معروفة اليوم فيها بأسرة بني (الدعيّس) نزح الجد الأعلى بركات الصفي من المدينة إلى حمص عام 1591م وقد تحرفت كلمة الصفي إلى (آل صافي) وغلب هذا اللقب على الأسرة.

ومن أبرز من أنجبت هذه الأسرة المرحوم سليم بن نجيب صافي المولود عام 1795م، والمتوفى في حدود 1878م، فقد كان عالماً فاضلاً تقيًّا اشتهر بخدمة الفقراء والمساكين.

وأنجبت المرحوم الشيخ نجم الدين بن محمد صافي المولود عام 1887م والمتوفى عام 1919م في معسكر الأسرى في مصر خلال الحرب العالمية الأولى، كان من أعلام عصره في علوم الصرف والنحو والمنطق والبيان والبديع والفقه وهو أستاذ مؤلف هذا السفر في الكلية الوطنية بحمص، وقد أنجب الشاعر الملهم الأستاذ رضا صافي صاحب هذه الترجمة.

مولده ونشأته: ولد الأستاذ رضا بحمص في 25 تشرين الأول سنة 1907م وتلقى تحصيله في مدارس الحكومة ونال شهادة التجهيز ودرس اللغة والأدب على شيوخ بلده، وانتسب إلى خدمة التعليم في وزارة المعارف في 1 تشرين الأول سنة 1927م، وأثناء خدمته نال شهادة البكالوريا الأولى فالثانية قسم الفلسفة ثم إجازة الحقوق من الجامعة السورية وفي 26 تشرين الأول سنة 1953م أحيل إلى التقاعد بناء على طلبه وافتتح مدرسة أهلية للبنات أسماها (ثانوية التربية الإسلامية).

مواهبه الأدبية: نظم قصائد كثيرة تتسع لديوان كبير، وأول ما عانى الشعر الوجداني، ويريد بذلك التحدث عن شكوى الزمن، وله غزل بريء، ونظم في الشعر الوطني والقومي، ومن شعره البليغ قصيدة بعنوان (الدبكة) يصف فيها هذه الرقصة العربية، ولم يسبقه لوصفها الرائع أحد من شعراء العربية وهي تدل على قوة شاعريته وإلهامه وقد آثرنا نشرها بكاملها ليطلع القراء على مقاطعها الوصفية النادرة.

الدبكة



1 ـ

أقبل الليل، والليل إذا وافى جلال

 

 

 

وتوارى البدر خلف السحب والسحب ثقال

 

هدأ الكون، وهب الريح تزجيه الشمال

 

 

 

وأوى الزارع للمضجع، أضناه الكلال

 

لا يرى أن يبرح المنزل، فالسير ضلال

 

 

 

ليلة حالكة الثوب أطافت بالأنام

 

أينما يممت لن تسلك إلا في الظلام


2 ـ

يحسب الطارق أن الحي مقضي عليه

 

 

 

حين لا يبصر حيًّا سائراً بين يديه

 

وحشة القبر وصمت الموت حاطا جانبيه

 

 

 

وظلام الليل أخفى الكون عن باصرتيه

 

غير أن (الطبل) أغرى القوم فانثالوا إليه

 

 

 

وي! كأن القوم قد هبوا إلى يوم الزحام

 

فأتوا شيباً وشباناً ومن دون الفطام


3 ـ

نبه الحادي بنات الحي في جنح الدجنة

 

 

 

نافخاً في الناي كي يغري به أسماعهنه

 

 

يا صبايا! أين من ترقص؟ لا تخشين منَّه

 

 

 

عرس ليلى يا صبايا، إن ليلى أختكنَّه!

 

وسرى الصوت إلى الغادات في أخدارهنَّه

 

 

 

فتسابقن إلى الداعي، رشيقات القوام

 

سافرات، غير ما تخفيه أطراف اللثام


4 ـ

يا لهن الله أقبلن كسرب من ظباء

 

 

 

باسمات كالأماني، ضاحكات كالرجاء

 

ساحبات في خطاهن ذيول الخيلاء

 

 

 

قد تخذن الحلي والديباج تاجاً ورداء

 

وشددن الخصر بالزنار رمز الكبرياء

 

 

 

فبدا النهدان كالتوءم همّا بالتزام

 

وإذا ما اضطربا خلتهما فرخي حمام


5 ـ

شبت النار، فكان الغيد للنار إطارا

 

 

 

وتعالى النور حتى أصبح الليل نهارا

 

دارت الحلقة حول الناي والشاعر دارا

 

 

 

منشداً آي الهوى يلهب أكباد العذارى

 

موحياً للناي لحن الحب سرًّا وجهاراً

 

 

 

يا صبايا! إنما العيش بأكناف الغرام

 

فتمتعن ولا تسمعن أقوال الملام!


6 ـ

بعث الشاعر في الغادات ما كان كمينا

 

 

 

وأثار الناي في الأكباد وجداً وحنينا

 

فتمايلن على اللحن شمالاً ويمينا

 

 

 

وتدافعن بأكتاف حباها الغنج لينا

 

وتناشدن أغاني الحب آهاً وأنينا

 

 

 

نحن للحب خلقنا، نحن أبناء الهيام

 

فأطلي يا إلهات علينا بسلام


7 ـ

أخذت هند قياد الجمع فانقاد لهند

 

 

 

ومضت في سربها، كالبحر في جرز ومد

 

هتفت لما شجاها الرقص ما وجد كوجدي

 

 

 

لم ترق ليلى لدمعي لم يجد قيس كسهدي

 

يا لأترابي (نشاما)! أأنا في الحب وحدي

 

 

 

وهوت للأرض فالكل جواث للرغام

 

واستوت للرقص فاليد تهادى بانتظام



8 ـ

خطرت في ثوبها الفضفاض، تهتز دلالا

 

 

 

وتلاها الغيد، ما يفترن وثباً وانتقالا

 

ومضى الرقص على لحن الهوى حالاً فحالا

 

 

 

بينما الخطو دبيب إذ به يغدو اختيالا

 

وتخال اللحن همساً، فإذا أشجى تعالى

 

 

 

يا لصوت الناي كم يغري شجون المستهام

 

أصغ للغادات، بدلن أنيناً بالكلام


9 ـ

طرب الشاعر والمزمار في كفيه جنّا

 

 

 

فمضى ينفث فيه السحر والإلهام فنّا

 

ويحه! أسرف حتى كل من في الحقل أنّا

 

 

 

وتهاوى دمع غادات الحمى كالغيث هتنا

 

فتنادين: إلينا يا إلهات إلينا

 

 

 

وخشين البين أو حاولن إطفاء الأوام

 

فتلاصقن كسرب راعه في اليد رامي


10ـ

ويك حادي ظبيات الحي! جاوزت مداها

 

 

 

ويك حادي ظبيات الحي! أيقظت هواها

 

أي نفس ما أحبت وهي في شرخ صباها؟؟

 

 

 

ذهب الرقص بألباب الغواني ونهاها

 

وسرى الوجد إلى الوجنة، سرًّا فكساها

 

 

 

حمرة الورد، وعاطى العين كاسات المدام

 

فانبرت ترشق أنضاء هواها بسهام


11 ـ

بسم الليل لأطياف الأماني الباسمات

 

 

 

وغفا الريح على لحن الأغاني الساحرات

 

وأصاخ الكون كالخاشع أصغى لصلاة

 

 

 

ونضا البدر سرابيل السحاب القاتمات

 

وأطلت شهب الأفق تراعي الراقصات

 

 

 

يا عيون الله! لا تحدن ربات الوشام

 

إنني عوذت شهب الأرض بالبيت الحرام


12 ـ

صدع الفجر الدجى، فانصدعت منه قلوب

 

 

 

ودنا البين ففي كل حشى منه وجيب

 

خبت النار، وفي الأكباد جمر ولهيب

 

 

 

وأهاب الشاعر المفتون، والدمع سكوب

 

يا بنيات لكنَّ العون والسعد القريب

 

 

 

قد وفيتن بعهد الود، سقياً للوئام

 

نعمت ليلى، وعقباكنَّ إدراك المرام


13 ـ

أقفر السامر لما أعلن الحادي النهاية

 

 

 

وطغى البؤس فما في الحي للصبوة آية

 

بدد الصبح الأماني، بث أحلام الغواية

 

 

 

أزف البين وغيد الحي في أسر العماية

 

يشتكين الدهر، يا للدهر! هل تغني الشكاية

 

 

 

وتماسكن من الدهشة في غير نظام

 

ثم ثوبن إلى الحي بألحاظ دوامي

أما شعره القومي والوطني فقد سما به إلى الذروة، وهذه قصيدة بعنوان (صورة من نضالنا) ألقاها في حفلة أقيمت تكريماً للمجاهدين الحمصيين الذين اشتركوا في مختلف الثورات السورية قال:

تنمر الظلم واستشرت مطامعه

وغره العدد الجرار والعدد



وظن باطله، والنار تدعمه

يعلو على الحق، إذ مالت به العمد

فلا وعين العلا ما نام ساهرنا

ولا تقاعس عن آجامه الأسد

رحنا، عشية جد الجد واضطرمت

نار الوغى وتنادى للفدى النجد

نصلى اللظى، فنداوي جرحنا بيد،

على كفاف، وترمي الظالمين يد

خمس وعشرون لم توهن عزائمنا

ثم انثنينا، ورايات العلا صعد

لا يبعد الله عن عيني غطارفة

سموا إلى الروع، لا نصل لا زرد

عزل، تلقاهم شاكي السلاح، فلا

والمجد ما جبنوا عنه ولا ارتعدوا

كأنهم، والمنايا الحمر دائرة

عليهم، وسيول النار تطرد

وللقذائف أصداء مجلجلة

والنقع كالليل في الأجواء منعقد

شهب رواصد، ترمي الطامحين إلى

حظيرة القدس، لا يخطئ لها رصد

آمنت بالله هذي (بدر) قد بعثت

وذي (حنين) وتلكم قبلها (أحد)

ونحن في (الفتح) والأسياف ما برحت

عريانة، والكماة الصيد ما رقدوا


يا فتية لطموا وجه الصغار لكم

شكر الحمى، ولأنتم للحمى السند

هذي الزنود، وقاها الله ما برحت

على سواعدها الأوطان تعتمد

راياتكم، أبداً، بيض وما صبغت

إلا بقان من الأعراق ينفصد

ويا أضاحي العلا، هذي دماؤكم

نبراسنا أبداً، رغم البلى يقد

جدتم بها فشأوتم كل ذي كرم،

وغاية الجود أن تعطى الذي تجد

عهد علينا، وحاشا أن نخيس به

إنا على إثركم نمضي ونحتفد

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 89 ـ 91)

الأعلام