جاري التحميل

رضا آل المرتضى

الأعلام

*  *  *

رضا آل المرتضى([1])

السيد رضا آل المرتضى

(1868 ـ 1903م)

إن الأدب مدين لحفيد هذا الشاعر الملهم السري الشريف السيد رضا بإخراج ديوانه الزاهر المونق إلى ميدان الأدب، بعد أن كادت تعبث به يد الإتلاف، فتنطمس آثاره الأدبية ولما يمضي على رحيله إلى عالم الخلود ربع قرن ونيف، فكيف إذا خب المطي عشرات القرون. وشاء القدر أن يصون ما جادت به قريحته من فنون الشعر، وأن يلهم بإخراج هذا الكنز المدفون بعد طيه حقبة من الزمن، وهكذا نرى الدهر لا يقسو إلا على ذي المواهب الفذة، فقد استأثرت المنية بهذا الشاعر المجيد وهو في فجر شبابه ونبوغه، ولو امتد به الأجل لجاء بآيات محكمات من روائع الشعر وغرره وأدى رسالته الأدبية على أفضل وجه.

مولده: هو الشريف المرحوم السيد رضا ابن السيد سليم آل المرتضى الحسيني الأرومة، ولد بدمشق سنة 1285ﻫ ـ 1868م.

طموحه العلمي: تلقى علوم عصره بدمشق، ورأى بنفسه رغبة إلى الاستزادة منه، ولم تكن وسائله ميسورة لكل طالب، ولا الأسباب ممهدة لكل راغب وهو في السن التي تجاوزت حدود طلبه وطاقته، فهزه الطموح وزهد الإقامة في ربوع دمشق الجميلة، فهجرها ـ وهو الذي تربى في مهد النعمة والعز والرفه ـ إلى قرية لا يكاد أهلها يأوون إلى ظل شجرة، ماؤها أجاج آسن، لا يكاد يبلغها قاصدها إلا بشق الأنفس، وهي قرية (شقرا) الواقعة جنوب جبل عامل، لينهل من فنون العلم في مدرستها التي أسسها العلامة المرحوم السيد علي محمود الأمين ابن عم الإمام المجتهد المرحوم السيد محسن الأمين وهو في الثلاثين من عمره، فأقام في حجرة خاصة وأكب بجد ونشاط على طلب رسالة العلم، وتجلت مواهبه الكامنة،وبرزت مظاهر شاعريته، بعد أن تمكن بمدة وجيزة من علوم العربية وأهمها علمي البلاغة: المعاني والبيان.

مواهبه الأدبية: ولما أكمل دراسته العلمية عاد من شقرا إلى دمشق، واتصل بصلة الأدب بفريق من الأدباء والشعراء وجرت بينه وبينهم مساجلات شعرية، ومن المؤسف أن يمعن الدهر في قسوته على هذا الشاعر العبقري، ويقض مضجعه باعتلال صحته، والأدب يتطلب جهداً وعناء في سبيل النظم والتنقيب والنسخ، وهذا ما عاقه عن تدوين كل ما جادت به قريحته من تراثه الأدبي، فضلاً عن الأعباء التي كان يضطلع بها مع شقيقه المرحوم عباس في إدارة مهام السيدة زينب في القيمومة عليها المستقلة إليهما منذ مئات السنين من آبائهما، وإدارة أوقاف ذلك المقام الشريف المسجلة ببراءات من ملوك عصورهم.

لقد كانت ساعة الفجر هي ساعة الفناء في الله تعالى، فينزل عليه وحي الشعر في أشرف مقام.

أما ديوانه الشعري المسمى بـ (ديوان المرتضى) فإنه رتب قصائده على حروف الهجاء، وقد طرق فنون الشعر ومدح رجالات عصره مدفوعاً بعاطفة الولاء والوفاء، مترفعاً عن كل غاية، واستمع إلى قصيدته التي مدح بها أحمد باشا الشمعة ترى في كل بيت منها روائع الوصف والبلاغة نقتطف منها قوله:

وجناته، أم روضة غناء

وسلاف ريقته أم الصهباء؟

وجبينه الوضاح، أم شمس الضحى

ودجى سوالفه أم الظلماء؟

وبخده خال يلوح لناظري

أم نقطة من عنبر سوداء

قاسوه بالبدر المنير وإنما اجـ

ـتمعت على تفضيله الآراء

سيان قامته وخطي القنا

ولحاظه والمرهفات سواء

تالله ما وقعت عليه نواظري

إلا وضرج وجنتيه حياء

لله كم شقت مرائر فتية

وجداً عليه وقطعت أحشاء

لي في محبته فؤاد مغرم

لم تثنه عن وده البرحاء

ونواظر مقروحة قد أسبلت

دمعاً تضيق بفيضه البيداء

أما في الغزل والنسيب، فله جولات رائعة تزدان بقوة الوصف والمعاني:

على ربع من أهواه إن مرت الصبا

شممت لها عرفاً من الريح أطيبا

فيا حبذا ذاك المكان الذي غدا

لسرب الظبا مرعى، وللريم ملعبا

تخال إذا ما جزت يوماً بأرضه

قدود المها سحراً، وألحاظها ظبى

وتحسب منهن الخدود شقائقاً

وأوجهها الأقمار، والشعر غيهبا

بنفسي فتاة إذ بدت في لثامها

تخيلت بدراً بالسحاب تنقبا

إذا رمت أجني وردة الخد سلطت

علي من الأصداغ للدغ عقربا

رأيت عذاب القلب عذباً بحبها

ولو سمحت في وصلها كان أعذبا

ينادي فؤادي حبها فيجيبه

وإن أدعه يوماً إلى تركها أبى

وله موشح بديع في الغزل والنسيب، يدل على أنه كان شاعراً وصافاً لا يجارى نقتطف منه بعض مقاطعه:

بأبي ذات جمال خدها

غصن بان فوقه الخال هزار

جيدها فجر، هلال عقدها

فرعها ليل، محياها نهار

ريقها ثغر الثنايا خدها

خمرة كأس أقاح جلنار

تاجها الأزهار، والروض الوشاح

والكلام الدر، والخلق الصبا

أخجلت أعطافها سمر الرماح

وحكت ألحاظها بيض الظبى

نهدها، مقلتها، أهدابها

حق عاج، سحر هاروت سهام

صدغها، حاجبها، حجابها

عقرب، قوس، ليوث، لا تنام

قرطها، غرتها، جلبابها

عندليب، وذكاء، وغمام

وعدها الإسعاف، والقرب النجاح

والرضا التوفيق، والوصل الصبا

والوعيد القتل، والهم البراح

والتجافي السقم والهجر الوبا

وفاته: في اليوم الرابع من شهر ربيع الأول سنة 1321ﻫ الموافق نهاية شهر مارس سنة 1903م أفل هذا النجم الساطع في سماء الآداب ورحل إلى عالم الخلود، وألحد الثرى وهو ابن ست وثلاثين سنة، وأعقب المرحوم المجاهد السيد مهدي مرتضى.

*  *  *

 



([1] (أ) (2/121 ـ 123).

الأعلام