جاري التحميل

رفيق رزق سلوم

الأعلام

رفيق رزق سلوم([1])

شهيد العروبة والوطنية المرحوم رفيق رزق سلوم (الحمصي)

نشأته ودراسته: ولد الشهيد رفيق بن رزق سلوم في مدينة حمص من أبوين أرثوذكسيين في شهر آذار سنة 1891 ميلادية وفي الخامسة من عمره دخل المدرسة الروسية الابتدائية في حمص، ولما أنهاها وتوسم سيادة مطران حمص طائفة الروم الأرثوذكس الطيب الذكر أثناسيوس عطا الله فيه النبوغ أرسله إلى المدرسة الإكليركية في دير البلمند فدرس فيها أربع سنوات ونال شهادتها مبرزاً على جميع أقرانه وعاد إلى حمص وأقام في المطرانية الأرثوذكسية حيث أخذ بعض الحساد يضايقونه، وكانت نفسه الحرة تتوق إلى عالم الجهاد فخلع الثوب الرهباني وسافر إلى بيروت حيث دخل الكلية الأميركية وهنا ألف روايته (أمراض العصر الجديد) التي كان لها وقع عظيم في الطبقة المتنورة النازعة إلى الحرية، وبعد سنة عاد إلى حمص فعرفه أستاذه باللغة التركية المرحوم خالد الحكمي بالشهيد المغفور له عبد الحميدالزهراوي الذي أشار عليه بدراسة الحقوق في الأستانة.

سفره إلى الأستانة: وسافر الشهيد إلى استانبول ودخل جامعة الحقوق عملاً بنصيحة الشهيد عبد الحميد الزهراوي وكان له من العمر (17) سنة فأكب على الدراسة حتى أصبح موضع إعجاب الجميع، وجعل يدبج المقالات البديعة وينشرها في المقتطف والمهذب والمقتبس والمفيد وحمص ودليل حمص ومجلة لسان العرب التي أصدرها النادي الأدبي في الأستانة ويحرر جريدة الحضارة التي أصدرها العلامة الشهيد عبد الحميد الزهراوي، ومن مؤلفاته في هذه الآونة (حياة البلاد في علم الاقتصاد) وقد طبع وكتاب (حقوق الدول) الذي يقع في نحو 800 صفحةلم يطبع ومحفوظ عند أهل الفقيد.

ميله إلى الموسيقى: كان للشهيد ولع شديد بالفن الموسيقي، فأتقن العزف على القانون والعود والكمان والبيان وكان يحث إخوانه على تعلم الفن لروعته، وكانت أناشيده الحماسية الملحنة تلهب النفوس.

أخلاقه: كان رحمه الله طاهر الذيل، حميد الأخلاق، أنيساً وفيًّا، يحث رفاقه على الابتعاد عن المسكر والتبغ والأدواء الاجتماعية ويحافظ على الوقت ويقضي معظم أوقات راحته في الكتابة والمطالعة.

في النادي الأدبي: وكان رحمه الله من أشد المجدِّين في إنشاء النادي العربي في الأستانة، ويهدف إلى ائتلاف العرب وصيانة حقوقهم واستقلال بلادهم، وكان الشهيد نائباً لرئيسه الشهيد المغفور له عبد الكريم الخليل، وله فيه المنزلة العليا والكلمة النافذة، وقد مثل هذا النادي الأدوار المهمة في القضية العربية وأيقظ الأمة من سباتها.

ولما أنهى الشهيد دراسة الحقوق كان يجيد اللغات الروسية واليونانية والتركية والعربية، وله في هاتين اللغتين الكتابات المفيدة والخطب الرنانة.

في الجيش التركي: ولما خاضت تركيا الحرب الكونية انتظم الشهيد في جيشها ضابطاً.

حبسـه والحكـم عليـه بالإعدام: وفي 27 أيلول 1915م قـام الوشاة عليه بالسعايات الكاذبة فقبض عليه وهو في بيت عمه المرحوم أنيس سلوم بدمشق وسيق إلى عاليه حيث قاسى الأهوال الشديدة وحكم عليه بالإعدام فقضى شهيداً في (23 نيسان سنة 1916م).

ولما صدر الحكم بإعدامه بعث برسالة مؤثرة إلى والدته وأخويه وأخواته وفيها يصف ما ذاقه من تعذيب خلال مدة توقيفه في السجن واستجوابه ونوه عن أسماء الأشخاص الذين وشوا به وسامحهم ونعتهم بأن الطبيعة أوجدتهم ضعفاء،وأوصى أن يكتب على قبره الأبيات التالية:

وإن الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني عمي لمختلف جدًّا

فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم

وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً

وإن ضيعوا عيني حفظت عيونهم

وإن هم هووا عني هويت لهم رشداً

وإن زجروا طيراً بنحس تمر بي

زجرت لهم طيراً تمر بهم سعداً

شعره: كان رحمه الله شاعراً وخطيباً متين الأسلوب في نظمه ونثره، ومن نظمه قصيدة اقتطفت منها بعض أبياتها وقد غلبت فيها روح الحرية الفكرية:

هو الحق مثل الشمس في الكون يظهر

وليس يضير الشمس أرمد ينكر

سلام على الحق المبين وآله

وكل امرئ قد قام للحق ينصر

سلام على كونفوشيوس وصحبه

وبوذا وموسى ثم عيسى المطهر

سلام على الهادي الأمين محمد

وكل رسول جاء بالحق يجهر

ومنها:

لئن كنت من أتباع عيسى فإنني

أحب جميع المرسلين وأشكر

ولاسيما ذاك القريشي من أتى

بهدي به أهل البسيطة أبصروا

ومنها:

لك اليوم مني شاعر لا يهمه

تعصب أقوام لفضلك أنكروا

رفعت لروح الله عيسى مكانة

وقد جاء عيسى قبل ذاك يبشر

ولما أبلغ حكم الإعدام قال هذه الأبيات وهي آخر ما نظمه رحمه الله:

لا العرب أهلي ولا سورية داري

إن لم تهبوا لنيل الحق والثار

إن نمتم عن دمي لا كنتم أبداً

وكان خصمكم في المحشر الباري

أنا الذي دمه في الأرض منتشر

كأنما هو نهر في الفلا جار

قتلت ظلماً وغدراً بل وتضحية

عنكم بأيدي وحوش كلها ضار

فالترك اسمهم فيه قد اجتمعت

كل الرذائل من ذل ومن عار

كم أهرقوا من دم ظلماً وكم هتكوا

في الأرض عفة زوجات وأبكار

فاليوم من مضجعي أبدي لكم أسفي

كذا أخط لكم بالدم إنذاري

كونوا على الترك أبطالاً ضراغمة

صبوا الصواعق من جمر ومن نار

لا تتركوا رجلاً منهم يدب على

رجل وعفوا عن اللائي بأخدار

واستجلبوا لي كأساً من دمائهم

لأنني أبتغي شرب الدم الجاري

صبوا الدماء على قبري بلا أسف

كلا ولا جزع هطلا كمدرار

رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 15 ـ 17).

الأعلام