جاري التحميل

زيد الأطرش

الأعلام

زيد الأطرش([1])

روائع الفن والشعر الزجلي في أسرة الأطرش

العقيد زيد الأطرش: من مآسي الدهر أنه كلما خيم صفاء الحياة على أسرة الأطرش في جبل الدروز شابته أكدار الحوادث الطارئة، كأن الدهر حالفها وحرم عليها نعيم الراحة والاستقرار، فقد أنجبت الأمراء والزعماء والشيوخ والأبطال مما يعود عهدهم لأكثر من ثمان مئة سنة.

ساقتني هذه المقدمة للتحدث عن العقيد زيد الأطرش الشاعر الشعبي وأحد الأبطال البارزين في أسرة الأطرش.

كان المرحوم ذوقان بن مصطفى بن إسماعيل الأطرش والد سلطان باشا الأطرش في الرعيل الأول من الضحايا من قوافل الشهداء الذين كتب لهم الخلود في العهد التركي، وقد أعقب هذا الشهيد أربعة أبطال هم سلطان وعلي ومصطفى الذي استشهد في معارك الثورة السورية في سنة 1925م وزيد الأطرش صاحب هذه الترجمة، يلتقي هذا الفرع النجيب بالأمير حسن الأطرش الذي كان محافظاً ونائباً ووزيراً للدفاع الوطني بالجد الثاني إسماعيل الأطرش.

لما استشهد أبوه كان صغير السن فكفاه شقيقه الأكبر سلطان باشا الأطرش غصص اليتم بعطفه وحنانه، ولد هذا البطل المغوار في (القرية) سنة 1905م والسبب في تكني هذه العائلة بلقب الأطرش ما زال مجهولاً، درس في مدارس الجبل القراءة والكتابة، كان في عام 1922م مديراً لناحية (القرية) مدة ثلاث سنين وأربعة أشهر، وله إلمام باللغة الفرنسية، ولما نشبت الثورة السورية كان في العشرين من عمره عهد إليه شقيقه القائد العام سلطان باشا الأطرش بقيادة الحملة الدرزية، فأنجد الثوار في الغوطة، ولما خفت حركات الثورة فيها توجه بحملته إلى جبل الشيخ واحتل قلعة جندل دون حرب لاستسلام الحامية الدرزيةفيها، وتمكن من إخراج القوى الفرنسية من جبل الشيخ، ثم سار بحملته إلى المجدل ووقعت فيها معركة كبرى، ولما كانت المنطقة درزية فقد استطاع احتلالها وتغلبت على الحملة الفرنسية التي انسحبت إلى القنيطرة آنذاك. وكانت الخطة أن تسير الحملة إلى حاصبيا وراشيا لقطع طريق رياق، فاحتلت حاصبيا وتشكلت فيها حكومة ثورية كما هو معلوم، وقد تصدت قوة من الجيش الفرنسي للحملة في مرجعيون واشتبكت معها بمعركة رهيبة انجلت عن احتلال مرجعيون وانسحابالفرنسيين منها.

ولما أذهلت هذه الانتصارات عقول الفرنسيين وأثرت على مشاعرهم وهدَّت أعصابهم اتخذوا خطة التدمير والإفناء، فكانت قنابل الطائرات تدمر قرى الجبل فوق سكانها فاحتملوا هذا الحال مدة سنة، ثم اتفق رأي القادة على نقل العوائل إلى الأزرق وهي بقعة تبعد مسافة 50 ـ 55 كيلو متراً تقع في الجنوب الشرقي من الجبل، وقد استشهد شقيقه مصطفى في المعارك واحتمل الأهلون هول قصف الطائرات لقرى الجبل وما أعقبته من مآس ونكبات، ولما تمزق ثوب الصبر بشوك النوى والوداع وسارت العوائل متجهة نحو الأزرق أمست العقول ساهرة والأفكار حائرة والقلوب مضطربة، فاضت قريحة البطل المغوار زيد الأطرش بنظم من الشعر الزجلي الرائع، فحداه بصوته الشجي فألهب العواطف، فقال:

يا ديرتي مالك علينا لوم

لا تعتبي لومك على من خان

احنا روينا سيوفنا من القوم

مثل الردى ما نرخصك بأثمان

لابد ما تمضي ليالي الشوم

وتعتز غلمة قايدها سلطان

وإن ما خذينا حقنا المهضوم

يا ديرتي ما نحنا لك سكان

استلب هـذا الحـداء القلوب فسـار بـين الركبـان وتغنت بلحنه المرحومة (أسمهان) وسجلته دور الإذاعة فكان صوتها الشجي ونغماتها المتنهدة تنهض بالأرواح فتهيم بها حتى تحلق في سماء الخيال. ولما اطمأن قواد الثورة على عوائلهم بالأزرق استأسدوا وخاضوا غمار المعارك، وشاءت الأقدار أن تلعب السياسة دورها فاضطر القائد العام وقواده إلى الالتجاء إلى وادي السرحان فأقاموا مع عوائلهم في الأزرق ووادي السرحان والكرك في شرق الأردن مدة اثنتي عشرة سنة، ولما أعلن العفو العام عاد المجاهدون يوم الأربعاء في 19 أيار سنة 1937م إلى موطنهم وهم أشد إخلاصاً وأقوى عزيمة وحماساً لصالح الوطن.

وفي عام 1938م كان نائباً في المجلس النيابي عن الجبل، وفي سنة 1942م كلف لوزارة الدفاع الوطني في عهد حكومة الشيخ تاج الدين الحسني رحمه الله ولاعتبارات عائلية تنازل عنها إلى المرحوم عبد الغفار باشا الأطرش ودخل زيد الأطرش منذ ذلك الوقت في وظائف الحكومة وهو الآن برتبة عقيد في قيادة الدرك، ولما وقع العدوان الفرنسي بعام 1945م نظم هذا الموال البديع في مغزاه ومعناه وتلقاه أهل الفن فلحنوه من نغمات شتى:

الشام يا موطني أنت أعز الحما

مجد العروبة بني لما بحماك حما

أبطالك الصيد في يوم السويدا وحما

دكوا حصون العدو لما بعهدك غدر

يا صاحب الطنك قف حدك

طريقك غدر حنا بني العرب

لو تصبح دمانا غدر عن ذروة

المجد ما نرضى مجاري الحما

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 300 ـ 301).

الأعلام