سعد الدين الجباوي
سعد الدين الجباوي([1])
الشاعر الصوفي المتفنن الشيخ سعد الدين الجباوي (الحمصي)
أصله ونشأته: هو المرحوم الشيخ سعد الدين بن الشيخ خالد السعدي الجباوي ينحدر من أصلاب القطب سعد الدين الجباوي قدس الله سره.
استوطن هذا الفرع من أسرة الجباوي حمص من عهد قديم، ولد المترجم بحمص سنة 1283ﻫ ـ 1866م، وقضت إرادة الله أن يعيش يتيماً فتوفي والده سنة 1290ﻫ وكان في السابعة من عمره إذ ذاك، فرباه أكبر خلفاء والده الشيخ محمود الشيخة، ولما بلغ السابعة عشرة خلف والده بإقامة الأذكار.
تلقى رحمه الله الفقه والحديث والتفسير على علماء عصره الشيخ سليم خلف والشيخ عبد القادر الخجة والباجوري رحمهم الله وهو يحفظ من الحديث قسماً كبيراً.
سفره إلى الأستانة: وكانت استانبول في العهد الحميدي محط رحال رجال العلم وشيوخ الطرق، فسافر المترجم إليها وتعرف على علمائها وفضلائها وكان مرهف الملامح عظيم الهيبة والوقار ترمقه العيون بالإجلال والإكبار، اكتنفته العناية الإلهية فأتاحت له مقابلة السلطان عبد الحميد فعين له الراتب الكافي، وعاد إلى حمص فأشاد الزاوية السعدية، فكانت حصن الهدى واليقين ومحط الرحال وسدنة الفضائل والوعظ ومرتع العلماء والفنانين حتى وافاه الأجل.
مواهبـه وأطواره: لم يقـرأ صاحب هـذه الترجمة عروض اللغة العربية، إلا أن الله وهبه قوة المنطق فكان إذا تحدث أقنع وأصاب.
استقام الفقيد مدة سبعين سنة في النصح والإرشاد وإقامة الأذكار والأوراد وله مكانة وحرمة في المجتمع الحمصي، وتخرج على يديه كثير من الخلفاء والمريدين المخلصين كالفاضلين السيدين عبد المجيد النعسان ومحمد الطيارة.
اشتهر الفقيد بالشمائل السعدية الجباوية وهي مضرب الأمثال في الاقتداء والاحتذاء، يكره الغيبة والنميمة ويجب عمل الخير ويساير الناس بما يفهمونه ويحل مشاكلهم، لا يستهويه مدح ولا إطراء، كان مع فقر حاله كريماً وفيًّا، ولو كان على قدر من الثراء لعلم الناس الجود والكرم بأجلى معانيهما.
مصائب الحياة: وشاءت الأقدار أن تفجعه بولده البكر (محسن) فقد ذهب إلى الجندية خلال الحرب العالمية الأولى فقضى نحبه شهيداً في المعارك، ومرت أيام الحرب وظروفها القاهرة فصبر على المكاره وكان رب عائلة كبيرة، وتغير مجرى حياته بعد مصيبته المؤلمة فاستكان للعزلة والصبر، واشتغل بالتأليف، ومن مؤلفاته (الفيض الأسنى في أسماء الله الحسنى) والمولد النبوي (المواهب القدسية بمولد خير البرية) ومظاهر الأسماء، وكانت إقامة الأذكار وتفننه بنظم الموشحات الصوفية والقدود البديعة وما يلقاه من إيناس مريديه المخلصين ومواساتهم أكبر عامل في عزائه وسلوانه. وقد نظم القوافي والموشحات برثاء ولده منها قوله:
فرَّ مني صبري وغرامي زائد | ودموعي من عيوني كالدما |
وهذا موشح من نغمة الحجاز الحزينة وزنه نوخت نظمه في حال غياب بكره الشهيد يتجلى فيه عاطفة الأبوة.
بالله إن جزت الحمى | فقل لهم دمعي دما |
لعلهم يرثوا لمنْ | سلواه عنهم محال |
رثى لحالي الحجر | ومدمعي كالمطر |
ما حيلتي أمنْ خبر | مبدلاً حزني بحال |
وكان المنشد البارع ذا الصوت الشجي الرخيم المرحوم محيي الدين شاهين الحمصي يداوم على الإنشاد في زاويته وكانت تعج بالمريدين والزائرين لسماع نغماته الحزينة فيقول له الشيخ رحمه الله (انعش الأرواح يا محيي الدين) فيفتتح حلقة الذكر بهذا الموشح الرائع وهو من نغمة الراست ومن نظم المرحوم الشاعر الشهير بالرواس:
قضيتم بحكم الحب يا جيرة الشعب | فبدلتمُ في البعد عن ربعكم قربي |
ومنه:
وما لي سبيل للسلو ولم يكن | وحق هواكم لو قضيت به نحبي |
وفاته: وفي يوم الثلاثاء الواقع في 6 آذار 1951م فقدت حمص أكرم داعية للفضائل ومكارم الأخلاق ودفن بمقبرة الكتيب بحمص، رحمه الله.
* * *