سعيد الترمانيني الحموي
سعيد الترمانيني الحموي([1])
الفنان الغاوي الأستاذ سعيد الترمانيني الحموي
مـن المؤلـم أن يكون الفن الموسيقي في بعض الأحيان مجالاً لاستثمار النقد والطعن بشعور الغير، ولا ذنب لهؤلاء سوى أن الطبيعة خلقتهم أشرف غواة يتمتعون بمزايا الذوق السليم والإحساس المرهف في حب الفنون، ولعمري فالحكم في ذلك هو أن الناقد الذي يطأ بقدميه الثرى يحاول عبثاً الوصول إلى الثريا. وقد رأيت من الواجب أن أتحدث عن هذه العناصر تقديراً لمواهبهم وليكونوا أسوة حسنة وعبرة لمن تسول له نفسه الانتقاص من كرامتهم، والمترجم الأستاذ سعيد الترمانيني الذي لا يضيره طعن حاسد أو تحامل ناقد هو أحد هذه الفئة الكريمة.
أصله ونشأته: هو الأستاذ سعيد بن المرحوم محمد بن محمد سعيد الترمانيني، وهذه الأسرة قديمة العهد بحماة وأصلها من أسرة (الشققي) الحموية، وكان الجد الأعلى تقيًّا ورعاً إذا حضر الناس إلى الصلاة في المسجد النوري الكبير وجدوه قبلهم فيقولون له (خلفت الترمانيني) يقصدون بذلك أحد العلماء المشهورين بالصلاح والتقوى واسمه (الترمانيني) نسبة إلى قرية (ترمانين) فتكنَّت بهذا الاسم.
درس المترجم في مدارس حماة الابتدائية والإعدادية، وفي خلال الحرب العالمية الأولى كان ضابطاً في الخدمة المقصورة في بعلبك، ثم حضر المعارك في جبهتي فلسطين وبئر السبع، وجرح بجانب فمه وأسر هناك وهو برتبة ملازم ثاني وقضى في مستشفى الأسر مدة ستة أشهر وهو يعالج جراحه مدة سنة ونصف في معتقل سيدي بشر في مصر حتى انتهت الحرب وعاد إلى بلده.
حياته الفنية: وكان والده مأموراً للأوقاف في حمص وهناك تلقى عن الفنان المرحوم محيي الدين المكاوي بعض الدروس، وتمرَّن على نفسه بالعزف على العود فبرع وأجاد، وتلقى وهو في معتقل الأسر بمصر على الفنان التركي باهر بك رئيسالفرقة الموسيقية في الأسر علم النوطة، والعزف على القانون والكمان بدرجة الإلمام، وألف قطعة من وزن السماعي الثقيل من مقام الفرحفزا ومقطوعات صامتة نهبت وفقدت أثناء اشتراكه في ثورة عام 1925م.
كفاحه الوطني: ولما عاد من الأسر وبدأت البلاد السورية كفاحها الوطني ضد الانتداب الفرنسي كان المترجم أحد أعلام الوطنية المخلصين، فقد اشترك في الثورة الكبرى التي شبت سنة 1925م وفي معارك حماة والغوطة ثم انسحب إلى جبل الدروز ومنها إلى الأزرق وأقام في عمان مدة خمسة أشهر، وأُنذر بالانسحابمن الأردن فاضطر للسفر إلى مصر ومكث فيها سنة وأربعة أشهر وعانى من الشدائد والتشريد ما يدل على متانة عقيدته الوطنية المثلى، ولما صدر العفو العام سنة 1928م عاد إلى بلده حماة.
أطواره: وهب الله المترجم الأخلاق الفاضلة فهو من العناصر الكريمة النبيلة بماضيها وحاضرها، إذا وزنت الوطنية والإخلاص والمبادئ القويمة في البشر كان في الطليعة، وقد اضطر بسبب كفاحه الوطني وكثرة الملاحقات الجارية بحقه من قبل المستعمرين أن لا ينعم بحياة الاستقرار وأهمل مكرهاً هوايته الفن الموسيقي،ولو تفرغ لمواهبه لكان له شأن يذكر.
في خدمة الدولة: تقلب المترجم في وظائف كثيرة، فكان رئيساً للشعبة السياسية بحلب ومديراً لناحية السفيرة، ورئيساً لبلدية حماة سنتين ونصف وتمّ في عهده مشاريع عمرانية بارزة ثم مديراً لناحية محردة أكثر الله من أمثاله.
* * *