سعيد الكرمي
سعيد الكرمي([1])
حلقة فلسطين الفنية
العالم والشاعر الوطني المرحوم الشيخ سعيد الكرمي
عبقرية العلم والأدب والشعر في أسرة الكرمي
ندر في التاريـخ أن أنجبت أسـرة عناصـر من طراز فريد في العلم والشعر والأدب فالمواهـب لا تكون وراثية بين الأسر بل هي اكتسابية يعود الفضل فيها للقابلية والذكاء والتوجيه المكين.
وتدل البيئة الفاضلة التي كانت تعيش فيها أسرة (الكرمي) أنها تخضع في حياتها إلى نظام أخلاقي متين، ثمرته الثقافة والمواهب من الجدود والآباء إلى الأحفاد.
أصله ونشأته: ولد المرحوم الشيخ سعيد بن علي بن منصور الكرمي في مدينة طولكرم الفلسطينية سنة 1851م وأصل أسرة الكرمي من عرب اليمن، وقد استوطنت مصر في إقليم «الشرقية» وكله عرب منذ الفتح الإسلامي في عهد عمرو بن العاص، ولما فتح إبراهيم باشا المصري فلسطين وسوريا أتت مع عوائل كثيرة وأقامت في طولكرم، وهذا سبب تكني الأسرة بـ «الكرمي» نشأ في مهد العلم والأدب وتلقى دراسته العلمية في الأزهر ونال شهادته العالية.
مراحل حياته: كان حجة في العلوم الشرعية والفقهية فعهد إليه بالإفتاء في طولكرم وهو من الرعيل الوطني الأول الذين تطوعوا لإنقاذه من براثن الأتراك المستعمرين، كان معتمداً لحزب اللامركزية في قضاء بني صعب ومن أحرار العرب الذين حكمهم السفاح جمال باشا في المجلس العرفي خلال الحرب العالميةالأولى في عاليه.
الحكم عليه بالإعدام: وأصدر المجلس العرفي حكم الإعدام على هذا الشيخ الأجل ثم أبدل بالسجن المؤبد لشيخوخته، فقال رحمه الله يصف سجنه بموشح طويل نقتطف منه هذه المقاطع، وهي تدل على ما لقيه من عذاب وشقاء وحرمان.
بين ناموس وبرغوث وبق | سال مثل السيل في بقعتها |
عندما وافيتها ذقت الأشق | رغم ما يؤثر من سمعتها |
فلو الراحة كانت تشترى | لشريناها بكل الذهب |
فترى الكل يعاني السهرا | من مساء لاختفاء الشهب |
إنما حير فكري عجبا | كونهم قد جرموا مثلي بري |
والذي لفق عني الكذبا | صلبوه مذ رأوه مفتري |
ويلهم لِمَ لَمْ يخافوا العطبا | من سهام الليل وقت السحر |
فدعا المظلوم إن جد السرى | ليس ينجي منه جد الهرب |
وترى الظالم مهما استكبرا | يأته الموت بأدنى سبب |
ظلموا والله فيما حكموا | حين ألقوني بسجن أبدي |
كذبوا والله فيما زعموا | ليس في العالم شيء سرمدي |
ويلهم إذ أنهم ما علموا | أن مولاي غداً معتمدي |
وهو لا يبغي لظلم مظهرا | ويفاجئ أهله بالنوب |
وترى الحال سريعاً غيرا | من عناد لصفاء معجب |
وتعجب للذي قد عملوا | من فعال ذكرها يبكي الجماد |
ويلهم كم من بريء قتلوا | واستباحوا نهب أموال العباد |
وعن العدل بقصد عدلوا | وإذا هم كل يوم بازدياد |
جعلوا فعل الدنايا متجرا | وهو سر الكسب للمكتسب |
لا يجلون سوى من سكرا | وإذا هام ببنت العنب |
نشر هذا الموشح في كتاب الهلال في شهر مايس سنة 1920م بعنوان «المشاهير والسجون» بقلم عيسى إسكندر المعلوف صاحب مجلة الآثار وهي سلسلة أبحاث تكلم فيها عن أقوال وأعمال المعتقلين السياسيين أثناء الحرب العالمية الأولى.
محنته واحتسابه: وسيق بعد ذلك إلى سجن قلعة دمشق، وقضى فيه مدة سنتين وتسعة أشهر حتى انتهت الحرب العامة فعاد إلى طولكرم.
خدماته الاجتماعية: عين في عهد حكومة المغفور له الأمير فيصل الأول نائباً لرئيس المجمع العلمي بدمشق، ثم قاضياً للقضاة في حكومة شرق الأردن ثم عاد إلى طولكرم، وقد نال وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من الملك حسين.
شعره: كان رحمه الله عظيماً في ذكائه وقوة ذاكرته، امتلأت الصحف والمجلات بروائع محاضراته وأبحاثه العلمية التي كان يلقيها في المجمع العربي. وله منظومات شعرية بديعة وموشحات وطنية واجتماعية متنوعة.
وفاته: وفي سنة 1935م انتقل إلى عالم الخلود ودفن في طولكرم رحمه الله.
* * *