جاري التحميل

سلمى الحفار الكزبري

الأعلام

سلمى الحفار الكزبري([1])

مواهب الأدبية السورية اللامعة السيدة سلمى الحفار الكزبري

(1923م)

نشأتها وثقافتها: هي كريمة صاحب الدولة السيد لطفي بن المرحوم حسن الحفار أحد أقطاب الرعيل الوطني الأول، وفي غمرة من نضاله السياسي المستعر ضد المستعمرين بزغ نجم سلمى في سماء دمشق في أول أيار سنة 1923م، فكانت سلواه في كفاحه الوطني الجبار، ترعرعت سلمى في رياض الحبور والسعادة فكانت بسمة الدهر في ظل أبيها الأجل الوارف، تلقت دراستها الابتدائية والثانوية في معهد راهبات الفرنسيسكان وقرأت القرآن وأخذت دروس اللغة العربية عن أساتذة فاضلين، ومن أبرز مزايا هذه الأدبية اللوذعية أنها كانت خلال دراستها في المعهد الأجنبي تتحدى كل ما يخالف الحق والعقيدة وكان النصر حليفها في كل مواقفها الرصينة، الشريفة بالدفاع عن كرامة قوميتها وعنصريتها.

سلمى رمز اللوعة الروحية: لعل والدها الأجل يدين حقًّا بالمذهب الصوفي الفلسفي، فسماها بأحب الأسماء إلى القلوب. هو اسم مركب من لفظ سحري، فيه رنات الطرب والافتتان لقلوب شعراء الصوفية، هو رمز سعيرهم ووجدهم وذروة لوعتهم.

فهؤلاء الشعراء يدركون معنى الخيال في أسرار الحب، وأصبحت (سلمى) المعنوية من رموز اللوعة الروحية في ميدان فلسفتهم الصوفية.

وهذه شذرات تعبر عن مآسي أرواحهم وشجونهم، فقد وصف الفيلسوف الصوفي المرحوم الشيخ عبد الغني النابلسي (سلمى) بتخميسه الأبيات المنسوبة إلى نجم الدين الإسرائيلي فقال:

قلبي إلى وجه سلمى مغرم عاني

وحبُّها معدم آثار أعياني

فيا رفيقي حديث الغير أعياني

روِّح فؤادي بذكر النازح الداني

فذكره لم يزل روحي وريحاني

وتغنى الشاعر الصوفي المشهور المرحوم الشيخ عمر اليافي فقال بموشحه:

إن همت بهند أو سلمى

فمرادي مشهدك الأسمى

وبنور صفاتك والأسما

يزداد فؤادي توحيداً

 

أما شاعر العبقرية والفن المرحوم الشيخ أمين الجندي فإن موشحاته تكاد لا تخلو من ذكر (سلمى) كأنه يرى في ترديد اسمها المحبب نشوة وسحراً وهذه مقاطع من موشحاته، وقد أكثر فيها من الجناس البديع:

كفِّي لحاظك يا سلمى

والرفق بمن يبغي سلما

وتغنى بموشحه المشهور من نغمة الصبا فقال:

سلمى بمن سلَّمتْ

لمهجتي سلَّمتْ

وبالصفا سلمت

لي كأسها الحالية

لاحت بوجه سما

يفوق بدر السما

أما ترى المبسما

بدره الحاليا

وتغنى بموشحه الصبا أيضاً فقال:

سل ما تروم سلمى

واحذر لحاظي سلمى

من لي بنيل سلمى

منها ومن يقيني

ويفصح شاعر الحب والغزل للعذال فيحذرهم القضاء من لحظ سلمى النرجسي فقال:

سلمى الهوى تتجلى

بكل حسن جلي

ولحظها النرجسي

سيف القضا سن

وتتغلب عاطفة هذا الشاعر الصوفي فيبوح لنفسه بالشكوى من سلمى فيقول في موشحه:

سلمى التي ما لها

بين الورى أشكو

هل در ألفاظها

يسبي أم الشك

فنونها: وتلقت الفن الموسيقي وعلم النوطة والعزف على البيانو عن فنانين مشهورين وهي تجيد عزف القطع الغربية الشهيرة وليت المطران زخريا الأرثوذكسيمطران أبرشية حوران وتوابعها حيًّا وسمع عزفها، أترى ما تجود به قريحته من الوصف بعد أن وصف رحمه الله إحدى العازفات على البيانو بقوله البديع:

إن أنطقت آل النبوة أبكما

فأنامل الحسناء أنطقت الخشب

لقد شغفت السيدة سلمى بالفن الموسيقي كما شغفت به من قبلها السيدة سكينة بنت الحسين التي كانت تفتح دارها للمغنين وتأذن للناس بالدخول. أما أديبتنا الفاضلة فدارها كحصن السموأل يرتد عنه الطرف وهو كليل.

مواهبها: وشاء الله أن يخص السيدة سلمى بالمواهب الكثيرة فامتلكت ناصية اللغة الفرنسية ونظمت قصائد شعرية بديعة. أما نثرها العربي فهو من السهل البسيط الأنيق، وحبتها الطبيعة بالمؤهلات الاجتماعية، وسخى جلَّ خالقها عليها بآيات الجمال والكمال، والحديث الساحر، إذا نطقت نثرت لآلئ الدرر، لا تفارقها بسمة أصيلة هي كالزهر بشاشة وائتلافاً، وإن ما يرى في سجاياها الجوهرية من تواضع رزين محتشم هو السر المكنون في مواهبها المثالية.

مراحل الأسى في حياتها: وقد يظن من لا يعرف تاريخ حياة سلمى أنها قد سلمت من نوائب الدهر ومصائبه، فقد جرعها كؤوس الأسى والغصص، إذ فقدت قرينها الوجيه الطرابلسي المرحوم محمد كرامة 1944م ولما يمضي على حياتها الزوجية حول كامل وأنجبت منه ولداً ذكراً اسمه (نزيه) وصهرتها الآلام النفسانية ليسعد المجتمع بما جادت به قريحتها في فترة الحزن والوحدة من أدب ممتع، وفي أواخر عام 1948م اقترنت بالوجيه الدكتور نادر الكزبري وهو من الشخصيات البارزة في الأوساط الاجتماعية وشغل مناصب رفيعة في القضاء ودرَّس الحقوق الجزائية في الجامعة السورية وألف كتابين في هذا الموضوع ويشغلمنصباً مرموقاً في وزارة الخارجية السورية، وأنجبت منه ابنتين هما ندى ورشا.

ما تنسج الأيدي يبيد وإنما

يبقى لنا ما تنسج الأقلام

مؤلفاتها: بدأت أديبة سوريا اللامعة تنشر مقالاتها وهي في السابعة عشرة من عمرها وكتبت مذكراتها أثناء محاكمة المتهمين باغتيال الزعيم المغفور له الدكتورعبد الرحمن الشهبندر وقد نشرتها في كتاب عنوانه (يوميات هالة) أصدرته في عام 1950م وضمنت في القسم الأول منه صوراً عن الحياة الدمشقية ونشرت في عام 1953م مجموعة من القصص الرائعة صورت خيالها الصافي، وعنوانها (حرمان) وقد تداولتهما أيدي الأدباء بشغف وإعجاب وما زالت تذيع وتنشر أبحاثاً وقصصاً أدبية واجتماعية في مختلف دور الإذاعات العربية والغربية وفي المجلات والصحف العربية، وقام المستشرق البلجيكي والأستاذ في جامعة بروكسل الدكتور أرمان آيل بترجمة يوميات هالة. وإن مجموعة قصصية ثانية بعنوان (خيط العنكبوت) ستصدر قريباً وكذلك تعد كتاباً فيه دراسات عن سير نساء أعجبت بهن.

خدماتها الاجتماعية: أسست في عام 1943م جمعية ثقافية خيرية وهي (مبرة التعليم والمؤاساة) وأدارت أعمالها عاماً كاملاً واشتركت في جمعية الهلال الأحمر النسائية ثم انصرفت عن أعمال الجمعيات المباشرة بسبب مشاغلها المنزلية والتفرغ للأدب.

وقد مثلت سوريا في مؤتمر لجنة حقوق المرأة الذي عقد في بيروت عام 1949م وهي اللجنة المنبثقة عن مؤسسة هيئة الأمم المتحدة وطالبت بمنح المرأة السورية حقوقها الكاملة، وكان لآرائها ودفاعها عن المرأة أبلغ الأثر في الأوساط الاجتماعية. وتعتبر في الأوساط الثقافية والاجتماعية من أبرز السيدات الفضليات وهي تقارع الحياة كأديبة موهوبة وأم فاضلة في ميداني الأدب وتدبير شؤونها المنزلية.

وهـي الآن تقيـم مـع قرينهـا الفاضل وزير سورية المفوض في الجمهورية الأرجنتينية، وقد رفعت رأس بلادها بمواهبها الأدبية، فكانت درة لامعة بين أبناء العروبة في المهجر.

*  *  *



([1] (أ) (1/245 ـ 246) و(2/555).

الأعلام