جاري التحميل

سليم الحنفي

الأعلام

سليم الحنفي([1])

الشاعر المتفنن المرحوم سليم الحنفي

أصله ونشأته: هو المرحوم سليم بن المرحوم حسن بن علي الحنفي وأصل هذه الأسرة من الجزائر حضرت مع جماعة الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري الكبير يوم الهجرة بسبب جهادها ضد المستعمرين وقد أنجبت الكثير من العلماء والمفاتي في (القسطنطينية) وهي إحدى مقاطعات الجزائر الكبيرة الداخلية ولد هذا الفنان بحي باب السريجة بدمشق سنة (1890) ميلادية، درس في المدارس الابتدائية، وقرأ اللغة العربية والشرعية على الأستاذ العلامة المرحوم محمد المبارك الكبير، ثم اشترك والمرحوم الشيخ عبد القادر المبارك بفتح (مدرسة الحياة الطيبة) وكان يدرس فيها الخط واللغة العربية والموسيقى.

فنونه: وهب الله المترجم الذكاء الحاد والميل الفطري للفنون، أخذ الموشحات والأدوار وعلم الإيقاع من كبار الفنانين الشاميين والمصريين ويجيد حفظها وإلقاءها ويضرب الإيقاع على الرق ببراعة فائقة، وكان مرجعاً يستفاد من خبرته وفنونه، أما صوته فكان بحالة عادية يستطيع معه إخراج الألحان والنغمات بانسجام كامل، وله ألحان كثيرة منها موشح من نغمة الهزام وزنه سربدد والكلام قديم.

ظبي من الترك له

قيودنا مسلّمه

ناديته فقال لي

برقة جوق سويلمه

ولحن موشح (اجمعوا بالقرب شملي) من نغمة النهاوند، ويحفظ الكثير من أهل الفن ألحانه العذبة، ومن مواهبه أنه كان يجيد فن التصوير القلمي وخطاطاً بارعاً ذاع صيته واشتهر في الأقطار العربية وخبيراً فنيًّا لدى المحاكم السورية بالاستكتاب وتطبيق الخطوط والأختام والتواقيع، ولكلمته الفصل القاطع بالنظر لأخلاقه الفاضلة والثقة التي يتمتع بها. أخذ فن الخط (النسخي والثلث) عن الخطاط الشهير المرحوم رسا أفندي التركي والخط الفارسي عن أحد قناصل إيران في عهده.

شعره: كان بليغاً في نثره ونظمه الشعر وله ديوان عنوانه (المجموعة الشعرية لسليم الحنفي) وقد اختفى هذا الديوان ويعتبر تحفة فنية رائعة بالنسبة لخطه الأثري النادر المثال، ومن شعره قصيدة نظمها في تأبين المرحوم الملك فيصل الأول فقال:

يا بن الذي سجد الزمان لمجده

وعنت لرفعة قدره الأقيال

قالوا قضيت فقلت مادت أمة

مغلوبة وتحطمت آمال

وأهدى صورته إلى أحد أصدقائه فكتب عليها:

أقدم تمثالي إليكم هدية

يذكركم أني مقيم على العهد

فلا الدهر يثنيني ولا الضر والأسى

وإني على ما تعلمون من الود

نزوحه عن دمشق: كان الفقيد مثالاً يحتذى في الوطنية والمبادئ القومية وأستاذاً لتدريس اللغة العربية في المدرسة الثانوية الأميرية بدمشق، وقد تعرض لسخط الفرنسيين ونقمتهم لغرسه حب الوطنية والفضائل في نفوس الطلاب فأقيل من وظيفته فنزح عن دمشق إلى شرقي الأردن فاستقبله المرحوم رضا باشا الركابي عندما كان رئيساً للوزراء فيها وعينه مدرساً للغة العربية في المدرسة الثانوية في مدينة السلط وأقام فيها خمس سنين، ثم عاد إلى دمشق واكتفى بتأمين إعاشته بما كان يتقاضاه من تعويضات كخبير فني لدى المحاكم بدمشق، ويتحف الغواة بخطه الأثري الجميل.

أطواره الخاصة ووفاته: كان رحمه الله أنيس المعشر في المجالسة والمنادمة، يحب العزلة فوصم بالشذوذ، يميل إلى الجد الصارم في الحياة ويمقت الهذر والمزاح، له صلات خاصة مع نخبة من الأسر الكريمة بدمشق منهم المرحوم رضا باشا الركابي ونقيب الأشراف من أسرة الحسيبي والأمير طاهر الجزائري وقد عاشر الملك فيصل رحمه الله وحاشيته أثناء وجوده ملكاً في سوريا.

لقد آثر العزوبة في الحياة ليتفرغ للمطالعة والدراسة والتأمل، وأفرط فيها فأضنت قواه، وكانت روحه صراعاً بين آلام مرض السل والأمل بالشفاء، وتغلبالمرض على جسمه النحيل، فاحتضن سلطان الموت روحه الطاهرة في يوم الخميس الرابع من شـهر ربيـع الأول سـنة 1359ﻫ و11 نيسـان 1940م ودفـن بمقبرة الدحداح، رحمه الله.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 241).

الأعلام