جاري التحميل

سليم عنحوري

الأعلام

سليم عنحوري([1])

الشاعر العبقري والناثر البليغ المرحوم سليم بك عنحوري

ولد المرحوم سليم بك عنحوري بدمشق سنة 1861م ونشأ وتربى بحجر والده، تلقى دراسته وعلوم عصره في المدارس الأهلية في دمشق وفي المدارس الرسمية في الأستانة.

كان رحمه الله زكي الفؤاد، مليح النكتة، طلي الأسلوب، شاعراً مفلقاً سامي التصور، وناثراً من فحول الكتاب، ذاع صيته وذكره حتى طبق الآفاق.

مؤلفاته: له مؤلفات كثيرة منها «مناهج التعريف بأصول التكليف» وديوان شـعر باسـم «بدائـع ماروت أو شـهر في بيروت» وقـد طبعـه بمطبعـة القديس جاورجيوس في بيروت سنة 1886م وفيه مديح ونسيب ورثاء وحكم وتشبيب وقدمه لأعتاب علي باشا باي تونس، وقد كان معجباً بأدب المترجم وفصاحته، وله روايات تمثيلية وقصصية تبلغ العشرين وكتب أدبية غيرها لم تطبع وقد حرر في صحف عدة كالمشكاة والعصر الجديد وغيرها، وكان وطنيًّا من الطراز الأول في كل ما خطه وما جادت به قريحته الوقادة. كان رحمه الله يهوى الجمال ومطارحةالغيد ووصف جمالهن الفتان وبالرغم من أنه طلق الغزل والنسيب وأعرض عن ذكر الحبيبة والرقيب، فقد التف القوم حوله وأجلوا قدره وألحوا بسماع شعره الارتجالي في الغزل، وهو من النوع الرقيق المزدان بأبلغ المعاني وقد كان مضرباً للأمثال ونذكر من نظمه الأبيات التالية وقد لحنوها وغنوها:

عاينت أجناداً تسو

ق جماعة نحو السجون

فسألتهم ماذا جنوا

قالوا لصوص يسرقون

فأجبت إن كان اللصو

ص لأجل مال يحبسون

هيا اسجنوا هذي الفتا

ة ملكية الحسن المصون

سرقت نهاي ومهجتي

حتى الرقاد من الجفون

ألصوص مال تمسكو

ن ولص روح تتركون

فتحيروا وتشاوروا

سرًّا وهم يتهامسون

وإذا زعيمهم يصيـ

ـح بهم أأنتم في جنون

من الذي جهلاً يرى

أن الملائك يسجنون؟

وقد رأى الموقف يدعو للمسايرة فأجاب الرجاء.

وحضر ذات مرة مجلس أنس وقد ضم ربات الخدور، ورأى غادة ربت ظفر خنصرها حتى طال كثيراً، ولم تكن هذه العادة شائعة بين الغيد في عصره فقال مرتجلاً:

ربت لخنصرها المجوهر ظفره

وبرت ظبى طرفيه حتى أثرا

لم يكف رمح قوامها وحسام مقـ

ـلتها فزادت للتفنن خنجرا

وارتجل في إحدى المناسبات فقال:

سل سليمى عن الفؤاد الكليم

فهي تدري بأنه في جحيم

وجهها جنتي ولثمة قوتي

ولقاها دون النساء نعيمي

وكان سحر قوله في الغزل وبراعة وصفه بنسبة ما يدخل إلى قلبه من التجلي والطرب في مجالس أنسه التي يصح أن يقال عنها «ندوة أدبية» ومن شعره المرتجل قوله:

إن رمت تنظر غادة قد كونت

من عنصر الألطاف فانظر مريما

خود لقد فتنت بدائع سحرها

أهل البسيطة والملائك في السما

وشكا دهره وعذاله ووصف غادة كوت فؤاده بنار وعودها دون طائل فقال:

حتام أسعى أن أفوز بخلوة

بك دون أن يأتي الزمان بطائل

الناس تشكو من عذول واحد

ما القول بي والدهر بعض عواذلي

وحضر مجلساً أدبيًّا ضم المرحوم الشيخ خليل اليازجي وكانت بينهما صداقة وألفة فارتجل يصف أدبه فقال:

راقب الله يا خليل القوافي

قد سبانا والله سحر لسانك

ترسل الشعر كالسيول ارتجالاً

أترى الدر لجة في جنانك

ووصف لبنان بقصيدة بديعة قدمها إلى واصه باشا متصرف جبل لبنان وقد أبدع وأجاد فقال:

أنيران سلمى تلك أم ضوء بارق

بدا في سما لبنان فوق الشواهق

أم الحور قد مس الهواء سدوله

فزحزحها عن وجه بنت المشارق

ومنها:

ألم تك سلمى في ربوع مصيفها

عبير شذاها الريح عطراً لناشق

يفيض محياها الضياء فتكتسي

به الليلة الدعجاء حلة شارق

ومنها:

حنانيك يا لبنان ما لي أراك في

سكون ولم تهتز هزة تائق

كأنك ما ذقت الصبا وفنونه

ولا هز منك الدهر أعطاف عاشق

كأنك ما مارست حبًّا ولا ثوى

بقلبك وجد من ذوات القراطق

كأنك ما طأطأت هامة شامخ

لنعلٍ ولم تذرف دموع مفارق

كأنك لم تفتنك تلك التي بها

عصى آدمُ في عدنه أمرَ خالق

ومنها:

وما المرء في دنياه من دون حكمة

سوى حيوانٍ ناطقٍ شبهَ ناهق

ألم تر (واصَهْ) قد علا صهوة العلى

بحكمته لا بالقنا والبوارق

ومن قوله في الحكمة. وقد أشار إلى إخفاقه بالسعي في ميدان الفضائل:

ما كنت أول من سعى لفضيلة


وجرى على سننِ الصواب فأخفقا

للدهر في أهل الهداية سنة

ألا يقابل فضلهم بسوى الشقا

فالكلب يبسط في الوصيد ذراعه

والفخ منصوب لغزلان النقا

وتذوب حشاشة هذا الشاعر الفذ أسًى في مواقف الوداع فيراه أصعب هولاً من الموت فيقول:

أساعات الوداع لقيتِ ويلا

فقد هيَّجت وجدي والتياعي

أماناً يا فؤاد أأنت أيضاً

تسير بإثر زاهية القناع

رويدكما قفا فالموت دانٍ

وداعي الحين إثر البين ناعي

مهيلا صاحبي قفا قليلاً

فقد مُدَّت إلى قبري ذراعي

وقوفاً ريثما الأقدار تجري

فإن الدفن حدُّ الاجتماع

وقوفاً حيثما يقضي مريضٌ

يحنُّ لملتقاه ثرى البقاع

فيا أهلاً به ضيفاً كريماً

به يُقضى عذابي وارتياعي

فإن الحتف خاتمة البلايا

ومهد اللحد راحة كل ساعي

يظن الموت أصعب كل هول

خليٌّ لم يذق طعم الوداع

وقرَّظ ديوان «بدائع ماروت» الشاعر المشهور المرحوم سليمان البستاني فقال:

بدائع ماروت من الشعر حكمة

لها فوق أعلام القريض رسوم

فإن تَحْلُ للأبصار فهي بدائع

وإن تَجْل ذوق الشعر فهو سليمُ

والمترجم من الذين سعت إليهم المناصب والرتب لا من الذين سعوا إليها فقد نال رتباً ووسامات من جلالة السلطان عن جدارة واستحقاق، فكانت أوسمة على وسام، أو بدراً على فجر.

وفاته: وفي اليوم العاشر من شهر تموز 1933م انتقل هذا الشاعر النابغة إلى دار الخلود ودفن بدمشق وقد أنجب أولاداً منهم السيدان وجيه ومنير، ولهما مكتب تجاري بدمشق وآخر في بيروت، رحمه الله.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 396 ـ 397).

الأعلام