سليمان الكيالي الرفاعي
سليمان الكيالي الرفاعي([1])
الشاعر المتفنن المرحوم الشيخ سليمان الكيالي الرفاعي الحمصي
أصله ونشأته: هو المرحوم الشيخ سليمان بن أحمد بن سليمان بن الشيخ أحمد السواح الثاني الكيالي الرفاعي العراقي نزيل حمص سنة 1183ﻫ و1764م وقد توفي فيها ودفن في قرية مودان سنة 1224ﻫ ـ 1805م كما ذكره العلامة العبقري الشيخ أبو الهدى الصيادي رحمه الله في كتابه البهجة.
ولد هذا الشاعر والخطاط المتفنن في مدينة حمص 1263ﻫ ـ 1844م ونشأ بحجر والده وتلقى العلوم الدينية والتصوف عن ابن عمه العلامة الشيخ أحمد الحريري الحموي والعلامة المرحوم عبد الساتر الأتاسي وغيرهم من أفاضل العلماء ويعتبر صاحب هذه الترجمة معلم حمص الأول، فقد أخذ عنه أبناء حمص القرآن الكريم والخط والحساب وممن قرأ عليه فخامة السيد هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية السورية وأقرانه من أبناء الأسر الكبيرة
سفره إلى الأستانة: وفي سنة 1891م سافر المترجم إلى الأستانة ونزل في ضيافة المرحوم أبي الهدى الصيادي الرفاعي وناقشه في ناحية تتعلق بالأسرة الرفاعية وأطلعه على حجج شرعية أجلت الغامض والالتباس الواقع في كتاب ألفه العبقري الصيادي سماه «بهجة الحضرتين في آل أبي العلمين»، وثبت أن السادة الكيالية ينتهون من طرق عديدة إلى الإمام السيد أحمد الرفاعي، وكان جده السيد أحمد السواح الثاني الكيالي الرفاعي المولود بواسط في العراق سنة 1725م حجة زمانه عقلاً وعلماً وذكاء وإرشاداً، ولما استوطن حمص تزوج بامرأة صالحة وسافر إلى دار الخلافة بزمن الخليفة العثماني السلطان مصطفى ومنحه (395) دونماً ومزرعة من نفس أراضي قرية مودان وصدرت الإرادة السلطانية بإعفاء هذه الأسرة الطاهرة من الأموال الأميرية بموجب فرمان محفوظ لديها وعند احتلال البلاد السورية من قبل القائد إبراهيم باشا المصري سنة 1794م أيد هذا الإعفاء.
نبوغه الفني: لقد اشتهر رحمه الله بالتفنن في كتابة جميع أنواع الخطوط ودانت لنبوغه ثماني عشرة قاعدة من عربية وفارسية وكوفية وتركية بأشكال متنوعة، ولا تخلو بيوت الأمراء والكبراء من طرائف لوحاته الخالدة وقد خطتها يراعه الساحرة، وكان الناس يتهافتون على خطب وده واقتناء تحفه النادرة، وتتجلى قدرته الفنية أنه كتب على حبة الأرز سورة الفاتحة بتمامها وشاهدها كثير من المولعين بمواهبه وأكدوا أن الكتابة عليها كانت بخمسة خطوط دقيقة.
ومما يروى عنه أن الوجيه محمد الزعبي كلفه بكتابة عريضة، فقدمها بنفسه إلى مراجع عليا في الأستانة فراعهم حسن الخط والقاعدة وسألوه عن كاتبها، فأجابهم أنه السيد سليمان الكيالي الرفاعي بحمص فطلبوا منه نسخة ثانية فأرسل وكلف المترجم بكتابها ثانية وعرضت هذه النسخة على أنظار السلطان عبد العزيز فطلب من الزعبي إحضاره فحال دون ذلك عجزه، وقد ألف كتاب تاج الخطاطين وقرظه الأديب الشاعر المرحوم الشيخ عبد الهادي الوفائي الحمصي بقوله:
هذا كتاب لا نظير له ولا | عثر الزمان بمثله يا ذا الملا |
فتبصروا في سبك در نظامه | تجدوه فرداً بالبلاغة قد علا |
لله درُّ من اجتنى تأليفه | من كل فن بالمديح تجملا |
يكفي سليمان الرفاعي رفعةً | في ذلك التأليف جاء مكملا |
هيهات يأتي الحاسدون بمثله | خزلوا وإن عابوه يزدادوا بلا |
شعره: كان رحمه الله شاعراً فذًّا وله قصائد كثيرة ومن نظمه البليغ قصيدة لامية بالحروف المهملة وهي ثلاث وسنون بيتاً مدح بها الرسول الأعظم ومطلعها:
لمحمد روح العلاء طله | دوماً على كل العوالم هاطل |
أعطاه مولاه الإله معالم الـ | أسرار مع ما للصلاح مُسَاملُ |
ومنها:
سلك الهدى ولداً وصار موحدا | لله عادى ما سواه مُعَامل |
والرحم والأعمام عاداهم ولا | راح الهوى ما للملام مُواسل |
مؤلفاته: له مؤلفات كثيرة منها «البشارات الأحمدية في سلوك الطريقة الصوفية وعلم التصوف»، ونصح الأمة في التعلم والتعليم للأمور المهمة، الحل والربط في تحسين قواعد الخط، وهو مبني على قياسات وأوزان أصول الخطوط الأربعة (الثلثي والنسخي والرقعي والفارسي)، واللآلئ الدرية في مناقب رابعة العدوية وأحوال الصوفية، وشموس الملة الإسلامية في شرح قصيدة اللامية، وكتاب الأشعار في جمع نفائس الأشعار، يشتمل على مدائح وتهاني وتواريخ وغيرها، وإتحاف الطالب وإسعاف الراغب في بعض فنون أصول الإنشاء والرسم، والنفحات العطرية في المدائح والموشحات الدرية، وطراز العلم في إنشاء القلم، وهو حاوٍ على جميع رسوم الإنشاء وأصولها، وكتاب الفوائد العلمية، يتضمن رسم الهمزة وما له في الحروف المربوطة في أبيات شعرية، وتحفة المرشد في سعفة المنشد، والرحيق السيال في ذكر نسب السادة بني القطب الكيال الذي ذكره الشيخ أبو الهدى الصيادي فـي كتابـه «البهجـة»، والجواهـر الصافيـة في علمي العروض والقافية، وهو مبني على سؤال وجواب، وبغية المعتاز في حلية الألغاز، مبني على حـل الرمـز وشـرح اللغـز، وحديقـة الفكر في حقيقة الذكر، والحجج والبراهين في الرد على المحتار في حجة الكتاب والسنة والإجماع والقياس والآثار، وفتح المعين في شرح نصائح الأبيات الأربعين، والياقوت في ما جاء محتكري الطعام والقوت، والحياة الأبدية في سلوك الطريقة المحمدية، وديوان نفح القبول في مدح طه الرسول، وهو مبني على الحروف الهجائية، وكتاب أعلام الورىفي الرد على القائل بتكفير من قال في دعائه أيا من يَرى ولا يُرى، وكتاب ضرب السياط، والبدر الطالع، وختم الإمام الرفاعي وتاج الخطاطين.
صفاته: كان رحمه الله جليل القدر عظيم الهيبة والوقار، مربوع القامة، أسمر اللون، ذا لحية طويلة مخضبة بسواد، مرعي الحرمة، مقبول الرجاء، وكان له الفضل باستثناء أسرته من الخدمة العسكرية مع أبناء عمه آل الشيخ شريف الكيالي الرفاعي وذلك سنة 1894م.
وفاته: وفي سنة 1333ﻫ ـ 1914م انتقل إلى عالم الخلود وألحد الثرى مع أسرار فنونه ومواهبه ودفن بمقبرة عمه الشيخ شريف غربي باب التركمان في حمص وأنجب أربعة ذكور وهم محمد صادق ومحمد نجيب وأحمد كامل وسيف الدين ولكل منهم ذرية وسيبقى حيًّا ما دامت حمص خالدة على مفرق الدهر.
* * *