سمعان اللاذقاني
سمعان اللاذقاني([1])
الشاعر المتفنن المرحوم سمعان اللاذقاني
أصله ونشأته: هو المرحوم سمعان بن بطرس اللاذقاني وشقيق الفنان الألمعي الأستاذ ألكسي اللاذقاني وأصل هذه الأسرة من اللاذقية، ولد في أنطاكية سنة 1888 ميلادية ونشأ في أسرة جمعت بين الذكاء والنجابة والأخلاق الفاضلة، ولما ترعرع تلقى دروسه في مدارسها الأرثوذكسية، ولم تكن أنطاكية المدينة التاريخية ذلك المسرح الواسع الذي ينطلق فيه الفقيد الأديب حرًّا مستوعباً كل المدى، ولكنها كانت وطناً أحبه وأراد له خيراً، فعكف على تهذيب ناشئته وتعليمها وبث المبادئ الوطنية فيها، ثم ندب معلماً في مرسين فقضى فيها سنين يرتاح إلى وظيفته لأنه يرى فيها أداء لواجب كبير يحتم على العالم أن يعمل به، وقضت عروبته وموقف الترك مع معاهدة لوزان إزاءها أن يعود إلى أنطاكية حيث نشأ، فإذا مقعده في إدارة مدارسها الأرثوذكسية ما زال يحن إليه منتظراً أوبته، وقد تخرج على يديه كثير من التلاميذ الذين تدرجوا في مناصب الدولة. ولما وقعـت حوادث لـواء الإسكنـدرون انسـحب المترجـم مع عائلته إلى البلاد السورية.
تعيينه في حمص: وقدرت وزارة المعارف السورية مواهبه فعينته أستاذاً لتعليم اللغة العربية في مدرسة تجهيز حمص وقام بواجبه الثقافي على أكمل وجه فنال احترام الجمهور وتقديره، وداوم على أداء رسالته الثقافية حتى وافاه الأجل المحتوم.
أوصافه: كان رحمه الله أنيس المعشر كريم الخلق، عزيز النفس، ذا هيبة واحتشام وابتسامة عذبة لا تفارق شفتيه تحمل في طياتها معنى الحياة ومعنى الآمال، مخلصاً في عمله، يحب التنقل والتجدد وينشده في كل عمل ويخدمه في كل حركة، ولقد تراه شاخصاً بناظريه منكمشاً كأنه فوجئ بمصاب فهو إذ ذاك تتألم نفسه من جمود يلحظه على المحيط ولا يقوى على إزالته.
لم يخلق المترجم ليكون مرتعه على ضفاف العاصي حيال الطلول الدارسات، بل كان حقه في الحياة أن يكون في محيط واسع المدى تتجلى فيه مواهبه، فهو ينشد التجدد الذي يريده فيطاوعه المحيط ويردد صداه عالياً، غير أن الأقدار حكمت على نفسه الطموحة أن تظل في دائرة ضيقة من البيئة الاجتماعية.
شعره وفنه: كان رحمه الله شاعراً مجيداً تملي عليه العاطفة النظم في المناسبات الواقعية عندما تختلج حواسه الثائرة، وهذه شذرات من نظمه البديع، فقد رثا المرحوم الشهيد فوزي الغزي بقصيدة رائعة مطلعها:
هكذا تسقط الرجال العظام | هكذا تفدح الخطوب الجسام |
ومنها:
وارتقبنا للفوز يوماً بفوزي | فإذا فوزي قد دهاه الحمام |
ورثا غبطة البطريرك المرحوم غريغورس حداد بطريرك أنطاكية سنة (1928م) فقال:
وابيعتاه! من نعى لبنان | فتقوم تكبر نعيه الأديان |
فكأنما اشتركت بخطب وفاته التـ | ـتوراة والإنجيل والقرآن |
وختمها مؤرخاً:
لا زال ذكرك خالداً ومؤرخاً | إحسان أجرك في السما الغفران |
كان الفقيد عليماً بقوافي الفن الموسيقي وله منظومات بديعة من الموشحات الغزلية منها قوله:
ولعوب بالنهى فتاكة | طرفها الساحر فتان الحور |
ومعاني حسنها جذابة | وشذا أنفاسها فوح العطر |
إن تجلت بين أتراب لها | طلعت بين نجوم كقمر |
أو تثنت خلتها الغصن انثنى | يتلوى والصبا هبت سحر |
وفاته: وفي يوم الجمعة الواقع في 21 آب 1942م انتقل إلى رحمة ربه ودفن في المقبرة الأرثوذكسية بحمص وأعقب ذرية مباركة رحمه الله.
* * *