جاري التحميل

شحادة اليازجي

الأعلام

شحادة اليازجي([1])

(1901م)

هو كبير أبناء الشاعر المشهور المرحوم عبد الله السليم اليازجي، ولد سنة 1901م في قصبة مرمريتا كبرى قرى وادي النصارى في قضاء تلكلخ، مسقط رأس آبائه وأجداده، فنشأ ميالاً للشعر، والشعر في العائلة اليازجية سليقة، وقرضه وهو في الرابعة عشرة، وأتم دراسته الثانوية بمعهد العائلة المقدسة بطرابلس (الفرير) سنة 1922م، وزاول تدريس اللغة العربية بمعاهد متعددة مدة خمس وثلاثين سنة متوالية، كان خلالها موضع احترام طلابه وزملائه لما تحلى به من مقدرة لغوية وأخلاق سامية، وكانت الملكة الشعرية تنمو فيه مع الأيام حتى غدا من الشعراء الذين يشار إليهم، وأكبر دليل على هذا ما قام به سنة 1945م من تعريب شعري لأشهر قصائد الشعراء الفرنسيين الخالدين كمسّيه ولامرتين وفينيي وهيغو ورتسار وغيرهم، وجمعها بديوان أسماه (القطرات) من مئة وست وأربعين صفحة، كتب مقدمته العلامة اللغوي المدقق المرحوم الشيخ إبراهيم المنذر عضـو المجمـع العلمـي العربـي بدمشق، وله ديوان ضخـم لم يطبـع بعـد أسماه (اليازجيات). ومن شعره البليغ قصيدة حيا بها العلم السوري قال:

يا شعار الحياة رمز الخلود

ته فخاراً وانعم بمجد البنودِ

كم تمنى الجدود ما نشهد اليو

م فجئنا  نهدي تحايا الجدود

ذهبوا يحلمون فيك اطمأنوا

لأمان مخضلة وجهود

فإذا تلكم الجهود ثمار

قد أبيحت لسيد ومسود

ذهبوا واثقين تجري دماهم

من حفيد إلى عروق حفيد

فإذا أمة تريد سماء

أنت خفاق أوجها المعبود

بسمة كنت في رؤاهم كومض

لاح في غيهب الليالي السود

حلماً كنت تؤنس الأنفس اليقـ

ـظى ونجوى المؤمــــل المعمود

فإذا الحلم يقظة وإذا المو

لود دنيا باتت بسفر الوجود

فتجلى بأفقه الرحب نور

عمر الفجر فجر عهد جديد

ومنها:

يا وليد الدماء يا ابن الضحايا

في ثراك انهالت دماء الأسود

كم أريقت من طالبيك دماء

غاص فيها الشهيد إثر الشهيد

هالة المجد حولك ارتسمت ما

بين سفك الدما وكسر القيود

والهتافات مذ علوت تعالت

بالزغاريد والدعاء السجود

ما أريقت تلك القرابين إلا

لترى فيك آية التخليد

ومنها:

يا وليد الفكر المثقف يا ابن النـ

ـنور أعظم يا ابن الحجى من وليد

أنت ما أنت؟ أنت دنيا الأماني

أنت بكر الزمان بيت القصيد

فإذا ما شدا امرؤ وتغنى

كنت معنى شدوي ووحي نشيدي

يا رجاء البلاد والأمة اخفق

في سماها حرًّاً طليق الحدود

تتغنى تيهاً بخفقك الأرواح

فاسلك بها سبيل الخلود

ومن غزله الرائع وصفه لخال في جبين حسناء:

يا خال عهدي بأن الخال مسكنه

بالخد بين شذا ورد ونسرين

ما لي أراك مقيماً بالجبين؟ فهل

آثرت أضواءه أم ذروة النون؟

أم للزنابق ما فاق الورود شذاً

أم فيه ما فيه من سحر لمفتون

كلاهما جنة سبحان بارئها

ما الفرق بينهما؟ رحماك تنبيني

*  *  *

ما كان هجري ورود الخد عن طمع

في زنبق وأزاهير الرياحين

بل كان هجري لها يا صاح عن جزع

أيقنت أن حسام اللحظ يرديني

كيف التفت أراه مصلتاً أبداً

مَن منه إن رمت شم الورد يحميني؟

فاخترت ذا الروض أرعى في مرابعه

أعيش حرًّا فلا راع يراعيني

ومن بديع نظمه قصيدة بعنوان:

أأنت أم الثغر؟

وقائلة لما رأت شيب لمتي

بدا الصبح في فوديك فليهرب البدر

فقلت لها لا تنفري من بياضه

أثغرك جانيه، وينتابني الهجر؟

دنوت لأطفي نار قلبي بظلمه

بدا نوره الوهاج فالتهب الشعر

فقالت: أيرمي الشهد بالذنب طامع

إذا برزت في كفه وخزة بكر؟

أتسلب ثغري ثم تشكو سلاحه

فأيكما الجاني؟ أأنت أم الثغر؟

فقلت: كلانا مذنب، أنا ظامئ

رأى بارقاً أغواه فاقتاده القطر

فلو حجب الساهون خمر ثغورهم

لما شمت ظمآناً يتعتعه السكر

ومن مراثيه البليغة:

والج الباب سائر لإياب

حامل ما جنى ليوم الحساب

لفظته الحياة للنور مغلو

لاً، طليقـــــــاً ورجله في الركاب

مضغة فاختلاجة فحياة

فجماد فحفنة من تراب

إن يذق من حلاوة العيش كوباً

ذاق مر الحياة بالأكواب

كل حال سيعتريها زوال

أي حال دامت بدون انقلاب؟

والمنايا عشواء من أخطأته

شاخ لكن متى دنت لا تحابي

ليس يهدأ دولابها، وأخو الدنـ

ـيا سيقضي بدورة الدولاب

ولكل دور يمثله إن

جل أو قل زاده للمآب

ليته طال أو تقلص بين الـ

ـمهد واللحد ومضة من سراب

نحن في دار غربة وغريب الد

دار مهما ثوى رهين إياب

هكذا مسرح الحياة دواليـ

ـك شروق مصيره لغياب

*  *  *

إن بين الحياة والموت هوا

ت من اجتازها مشى لثواب

ظلمة القبر باب دنيا من الأسـ

ـرار، أعظم بما وراء الباب

درجات حيالها دركات

يا لهول المصير يوم العقاب

كل من أسدل النقاب على عيـ

ـنيه يرنو الضيا خلال النقاب

خلق المرء للبنا لا أداة

دأبها الهدم، نهمة كالذئاب

من يعش هادماً أثيماً شقيًّا

من عذاب مشى لهول عذاب

فكتاب الحياة ليس بتعدا

د الوريقـــات بل بما في الكتاب

صفحة بالآثار خير وأبقى

من مئات فقر خوال يباب

*  *  *

 



([1] (أ) (2/ 286 ـ 288).

الأعلام