جاري التحميل

شريف اللبابيدي

الأعلام

شريف اللبابيدي([1])

أريحية المحسان السيد شريف اللبابيدي الشامخة

عنصر الكرم نوعان: كرم مزيَّف من مالٍ لم يأت لصاحبه عن جهد وكد وعصامية ومواهب، كالكرم الذي كان يمثله الخلفاء والملوك الماجنون لغاية في النفس، يوم كانوا فيما مضى يفرطون في عطاء الشعراء والمغنين والعازفين عشرات أو مئات الألوف من الدنانير، وكل عطاء يكفي لبناء عدة مستشفيات أو مدارس، فهذا العطاء لا يعتبر كرماً بكل ما في الكلمة من معنى، بل أتى من رقاب العباد وبيوت المال التـي أتـاح الدهـر أن يتحكمـوا بهـا عن طريق الوراثة دون جدارة واستحقاق.

فالكرم الحقيقي، هو من مال أتى لأصحابه بعد كفاح وسعي وجد وصدق وأمانـة، وكانـت أهدافهـم واضحـة وحرصـوا أن تكون سامية رفيعة في ميدان العصامية والمواهب، والفرق في مغزى ومعنى هذين النوعين من الكرم كالفرق بين الثرى والثريا.

فكرم المحسان الأريحي السيد شريف اللبابيدي هو من النوع الإنساني الرفيع.

أجل: إن للنبل والمكارم والفضائل في حياة الناس حدود، ولكن لا حدَّ لهذه العناصر السامية في حياة هذا المحسن الأجل، فهو في مكرماته المتواضعة كالغدير الذي يسقي الغابة في سكون الليل، وإن ما يرى في سجاياه الجوهرية من تواضع محتشم هو السر المكنون في عظمة مبراته الفذة، فمهما وصفت مكارمهوخدماته للإنسانية والمجتمع، فإن القلم واللسان ليعجزان أن يوفياه حقه من الوصف، ففي اسمه العربي الأصيل سحر وفتنة، وهو شريف باسمه، وفي مبراته ومكارمه بسمة الدهر، فهذا العنصر الكريم مشاع للعروبة ورحمة من الله وهبه للمجتمع لينعم الوطن بفضائله.

لقد استقبلت دمشق في شهر نيسان سنة 1954م هذا المحسن العصامي صاحب الأعمال التجارية الكبرى في مانشستر بإنكلترا واحتفت به الأوساط الشعبية والحكومية بما يليق بعظمة نبله ووطنيته.

مبراته الشامخة: لما اتصل بمسامعه وضع مستشفى المواساة وتوقف العمل لإكمال بنائه تبرع بمئتي ألف ليرة سورية لهذه الغاية، وتبرع بثلاث ألف ليرة إنكليزية لبعثة الهلال الأحمر السورية لما زارت إنكلترا، وهو أجل مشروع إنساني جادت به أريحيته العربية.

أما مبراته في سبيل القومية العربية، فضرب فريد من الكرم والأريحية، فقد اشترى في فلسطين أراض بمبلغ 160 ألف جنيه وذلك للحيلولة دون تسربها إلى اليهود قبل وقوع مأساة فلسطين، فعطر الآفاق تاريخ أريحيته العبق، وعلا في السماء ترديد آيات الشكر والدعاء بطول حياة هذا العصامي المحسان، وله تبرعات كثيرة في ميدان الخير والإنسانية، وقد منحته الحكومة السورية وسام الاستحقاق السوري تقديراً لوطنيته المثلى وكرمه الشريفي المأثور، وبهذه المناسبة لابد من الإلماع إلى أن حياة الأفراد الذين لا يفيدون المجتمع خيراً هي كالهباء والسراب، وجديرون أن يلتحفوا ظلمات رموسهم، فالإنسان لا يخلده إلا مقاصده وأعماله، وإن فضيلة المرء أن يحسن إلى بيئة وطنه، فتاريخ أعظم الرجال لا يدلنا على أنهم عملوا وأحسنوا فقط، بل هو درس وطني رائع.

ولقد رأينا التاريخ يخلد ما مثله الملك والقواد من أدوار حاسمة في المعارك الحربية، ورأينا في الوقت نفسه يخلد مناقبهم ومآثرهم الحميدة، وآثارهم الجليلة وأخلاقهم الشريفة وعوائدهم النبيلة، فإن ذكر الوقائع الحربية وتأثيره في النفوس يظل موقوتاً فإنه لا يلبث أن ينسى ويزول.

أما الإحسان والمناقب والأخلاق فإنها راسخة في النفوس خالدة في الزمان، وهي عبرة عظمى تلقى على أسماع البشر، ولها وقع مؤثر وصدى يتسرب إلى المشاعر فيثيرها ويذكي فيها ضرام الإحساس، لذا فإن تكريم المحسنين واجب اجتماعي طبيعي ليظل ذكرهم حيًّا في ذاكرة الأحفاد ويقتدي بأعمالهم الخلف الآتي وأحرىبالأمة وأولى أن تنظر إليهم نظرة إجلال وتقديس.

لقد امتازت نفس المحسن الكبير بالنبل والإحساس الفطري العميق فقد كانت ترن في أذنيه كلمتان، هما (أسرة ووطن) وفيهما أسرار الشعور الأصيل والتضحية الفذة، فأهل الأريحية يستأنسون بالعظمة ويأتون أعمالهم بهدوء وصمت دون مَنٍّ وحب للظهور ذلك هو المحسن الفاضل السيد شريف بن علي ابن محمود اللبابيدي وهذه الأسرة عريقة في قدمها ووحدتها في حي الميدان ولد هذا الأجل بدمشق سنة 1908م وسافر إلى إنكلترا سنة 1932م وتعاطى التجارة وبرزت مواهبه في ميدانها وفي سنة 1946م اقترن بالآنسة هيام بنت السيد علي حمور السورية وأخواتها من أسرة البارودي وأنجب ولداً اسمه فائز وثلاث كرائم.

فما أروع محيا الشريف هذا الذي أطل، وما أحلى الورد من منهله العذب، وكله ورد وطل، فسوريا هي الظمأى وأريحية المحسان الشريف هي جود السحائب.

لقد كان ثراؤه وتأثيره في النفوس يفوق ثراءه المادي وكفى الوطن شرفاً واعتزازاً بمواهبه وجليل صفاته.

وصفوة القول أن التحدث عن فضائل هذا المحسان العظيم ومآثره هي صفحات مشرقة من تاريخه الحافل بالمبرات والمكرمات.

*  *  *

 



([1] (أ) (1/ 103 ـ104).

الأعلام